كل التحديات التي واجهتها كمراسلة حربية لم تماثل ما رأيته مع الثعبان الصومالي
لماذا لم أغادر غرفتي في الصومال رغم وجود ثعبان بها طوال الليل؟
أخبار الآن | الصومال - 29 نوفمبر 2023
كان قد مر على وصولي إلى العاصمة الصومالية مقديشو والعمل بها 6 أيام، حينما قررت أن تكون وجهتي القادمة هي وسط الصومال حيث جبهة القتال الدائر بين الحكومة الصومالية و في مقدمتها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الذي يقود قوات الجيش من جهة وبين جماعة الشباب الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من جهة أخرى.
كانت الأجواء في العاصمة غير مستقرة، فخبر وجود تفجير في أحد الشوارع يوميًا هو خبر عادي يستقبله أهل مقديشو بصورة روتينية ليعلموا أي الشوارع سوف يتم إغلاقه بسبب تفجير وأيهم يمكن السير به
بدأت القصة من الفندق في العاصمة مقديشو
كانت وجوه رجال الحراسات في الفندق ومطار العاصمة مختلفة تماما عن الوجوه الصومالية، فقد كانوا من جنسيات أفريقية مختلفة، ففي المطار مثلا والفندق به وهو الفندق الأكثر أمانًا في الصومال، كانت الحراسة من الجنسية الأوغندية، وهذه هي الاستراتيجية التي تعمل بها الحكومة الصومالية لتفادى الخيانة من جواسيس جماعة الشباب في المناطق الاستراتيجية حيث يجب أن تكون الحراسات من جنسيات قوات حفظ السلام الأفريقية المختلفة في ملامحها عن رجال القبائل الصومالية التي ينتمي لها مقاتلو جماعة الشباب، وذلك لتلافي الخيانة أو جواسيس جماعة الشباب المنتشرين في كل مكان في ربوع الصومال
وفي العاصمة أيضا لاحظت أن الجميع يتحدثون في الهاتف عبر برنامج الواتس أب بينما الرسائل الهامة عبر تطبيق سيجنال، فالشك هو ما يحكم حياة الصوماليين اليومية، إنهم يخشون بشدة من شركات الاتصالات ربما تكون مخترقة من الجماعة الدموية، فلا يتحدثون عبر مكالمات الهاتف بل عبر التطبيقات المشفرة
في صباح اليوم السابع كان علي أن أتوجه إلى إقليم جالمودج أو غلمدغ (كلا النطقين صحيح) حيث الجبهة الأمامية في "ويسيل" وهي إحدى أهم الجبهات في وسط الصومال للقتال مع جماعة الشباب
استقليت طائرة صغيرة(كنت أسميها الطائرة التوكتكية) تستخدم للانتقال بين العاصمة وباقي الأقاليم حيث أن طريق السيارات حول أي مدينة مهدد دائما من جماعة الشباب فهم يقبعون على مداخل المدن وتحديدًا في وسط الصومال
وصلنا إلى مدينة بحدو أقرب المدن ل"ويسيل" حيث المكان الذي أخبروني أنني يمكنني قضاء الليل به حتى موعد انطلاقنا في الصباح إلى جبهة ويسيل في عمق الصحراء
خلال 22 عاما في ممارسة الصحافة منهم 13 عاما اغطي مناطق النزاع والحروب، اعتدت على المخاطر وعلى التعامل معها وكبح جماح خوفي في المواقف الصعبة وقت إطلاق النيران أو أصوات الصواريخ التي تخترق أذناي، ولكن لم أعتد يوما على ترويض خوفي من الزواحف
أغسطس 2014 - ليبيا
فقد تطايرت الرصاصات من فوق رأسي في ليبيا وأنا أهرب من الميليشيا التي اختطف زميلي المصور وطاردتني لخطفي أيضا ووصرخاتهم تصلني مع رصاصاتهم "امسكوا الجاسوسة المصرية"
فبراير 2015 - اليمن
كنت على وشك السقوط مع سائق مُخزّن قات (نبات مخدر) في اليمن يطلق على تعاطيه اسم تخزين_ في الواحدة صباحا من فوق حافة هاوية في اليمن على طريق عودتي من صعدة معقل الحوثيين إلى صنعاء العاصمة من فوق طريق ضيق على إحدى جانبيه جبل شاهق وعلى الجانب الآخر هوة سحيقة، كنت قد لاحظت جماعات الغربان تحلق فوقها في الصباح وعندما سألت السائق أخبرني أنها تحوم من أجل جثث ضحايا حوادث الطرق الذين وقعوا في الهوة
نوفمبر 2015 - العراق
في نوفمبر 2015 ساقني أحدهم لقدر مخيف للقتل على يد داعش في قرية بجوار سمراء وأنقذني الله على يد سيطرة أمنية على بعد 5 كم من كتيبة لداعش يحكمها ابن عم الصحفية أطوار بهجت وقاتلها ومن مثل بجثتها عام 2006.
أكتوبر 2022 - اوكرانيا
وفي خاركيف وفور وصولي إليها ليلا حيث كان الظلام يعم المدينة المستهدفة من روسيا على مدار اليوم والليلة ، سقط صاروخ على بعد 500 متر من فندق الصحفيين الذي كنت قد وصلت اليه بنفس اليوم
كل هذا أستطيع التعامل معه والتحكم في نوبات الخوف به، فأنا إنسانة أخاف أيضا ككل البشر ولكني اعتدت التحكم والسيطرة على خوفي، أما أن أبيت ليلتي مع ثعبان في مكان واحد فقد كانت التجربة جديدة ومخيفة بما يكفي ،أنا أعاني من رهاب الزواحف (فوبيا الزواحف) حتى أنني لا أستطيع النظر إليها على التلفاز أو فيديوهات وصور السوشيال ميديا، أدير وجعي أو أغمض عيني كلما عرض مشهد يحتويهم.
أبيت في منزل واحد مع ثعبان بل في غرفة واحدة ، بل إنه كان في مخدعي داخل تلك الأريكة الخشبية التي وضعوا عليها مرتبة حتى لا أنام على الأرض.
ضايفني أهل البلدة وزعماؤها الذين استضافوني أنا وصديقتي الصومالية منى ، ابنة البلدة التي صحبتني من مقديشيو الى جالمودج، ودخلت الغرفة مع منى ورأيت بعض الصراصير فطلبت رش الغرفة بمبيد حشرات، وكنت أظن أنها النهاية.
ولكن شباك الغرفة الذي سيظل مفتوحا طوال الليل كانت أسلاكه كفيلة بمنع كل ما هو أكبر من قرد صغير أما دون ذلك فيمكنه المرور من تلك الأسلاك بكل سهولة.
عندما راحت منى في النوم و أطفأنا الأنوار كانت الساعة حوالي 11 مساءً، بدأت أصوات غريبة تصدر في المكان وكلما هممت بالنوم ووضع رأسي على الوسادة سمعت صوتا قريبا من أذناي يصدح "تس تس" ، في البداية ظننت أنه نوع من الحشرات وأخذت ألوح بيدي "هش" ، "هش بقى" وأخرجت مضاد الحشرات ورششته على يدياي ووجهي وقدماي، ولكني لا أرى شيئا، الصوت يملأ أذناي كلما اقتربت من المرتبة ولكن لا شئ أرى، وكتبت لأصدقائكي على تطبيق (X)، تويتر سابقا، مستفسرة: ما هو نوع الحشرة الذي يصدر صوت "تس تس " بنفس الاسبلينج؟
فكانت الصاعقة والتحذير أن من يصدر هذا الصوت ليس حشرة وأكد المعلومة أن فحيحًا بدأ يصدر بين الـ "تس تس" والأخرى، قررت أن أوقد الأنوار وأوقظ منى التي لم تستجب لدعواتي ورأت أنني بادلع ، فهي ابنة البادية و قضت كل حياتها بين منازل عشيرتها بتلك القرية وترى أنه حتى لو وجد ثعبان فإنه لن يضرنا وأخبرتني بصوت مملوء بالنعاس الذي كنت أشتهيه بشدة" نامي ياصافويا وماتخافيش، الثعبان ما بيموت"
وفي تمام الثانية عشر منتصف الليل انطفأت الأنوار من البلدة بالكامل وبدأت الصورة تبدو أقتم وأكثر وضوحا، الفحيح يزداد والـ "تس تس" تتعاقب، هممت بالخروج ولكني تراجعت كيف أخرج وعلى الباب هؤلاء المقاتلين ينامون في العراء خارج الغرفة ، وإذا بما هو افزع من كل ذلك جعل فكرة الخروج من الغرفة انتحار مؤكد، حيث بدأت مباراة أخرى بالخارج، أصوات حيوانات تستغيث وهي تؤكل، كنت أسمع صرخاتها طوال الليل، ثم بدأت الطبيعة تعزف سيمفونيتها بأصوات هدير رياح مرعبة، لم أسمع مثلها من قبل، لم يكن ينقص هذا المشهد إلا أن أسمع صوت أنين بشر يؤكلون أيضا، وهو ماجعلني أفتح كشاف الهاتف وأبحث عن صوت ينقذني من هذا القلق حتى وجدت تطبيق المصحف على هاتفي وبدأت أستمع لصوت الشيخ الحصري وهو يتلو سورة البقرة بصوت عالي وانا أثبت عيناي على كلماتها حتى اشعر بالطمأنينة.
وجلست على الأريكة جلسة الكاتب المصري القديم حتى دخلت من النافذة أولى شعاعات الصباح فخرجت مسرعة إلى البراح بالخارج.