من هناك بدأ الجحيم: الرحلة الكاملة لمهاجر من غينيا إلى تونس عبر ليبيا

أخبار الآن | تونس - 25 نوفمبر 2024 

سبع سنوات مرّت منذ أن غادر إسماعيل موطنه في غينيا كوناكري. بالكاد تجاوز العشرين عامًا، كان يتخيل نفسه واقفًا على مسرح في باريس يغني لآلاف الناس. قيل له إن الطريق لن يستغرق سوى بضعة أسابيع، لكنه لم يعلم أن الواقع مختلف تمامًا.

الرحلة الأولى: من غينيا إلى ليبيا


في عام 2011، اتخذ إسماعيل قرارًا غير تقليدي بترك دراسته والبحث عن فرصة للهجرة إلى أوروبا عبر طريق الهجرة غير النظامية. دفع للمهربين ليصل إلى ليبيا، لكنه سرعان ما أدرك أنه أصبح "بضاعة" تُباع وتُشترى في أيديهم.
في سبها، تحوّل حلم إسماعيل إلى كابوس. سُجن مع عشرات المهاجرين الآخرين، يتعرضون للتعذيب والجوع. يروي إسماعيل أنه شاهد جثثًا تخرج من السجن لتدفن في الصحراء.

العمل المؤقت والمحاولات الفاشلة لعبور المتوسط

بعد بضعة أسابيع في السجن، اضطر فيها اسماعيل لشرب مياه مالحة ونبش القمامة للحصول على الطعام، نجح في الهروب. ولكنه وجد نفسه متسولًا في الشوارع، لا يعرف إلى أين يتجه أو ما الذي يجب عليه فعله للنجاة، بالإضافة إلى ذلك، كان عليه مواجهة تهديدات أخرى خطيرة،  فقد تعين عليه في مرات كثيرة تجنب رصاص الميليشيات المسلحة التي كانت تطارد المهاجرين من ذوي البشرة السمراء.


للمرة الأولى منذ أسابيع يبتسم الحظ في وجه إسماعيل أين يلتقي صدفة في أحد طرقات سبها بعليّ أحد جيرانه القدامى في كوناكري. شيئا فشيئا يساعده علي في الحصول على عمل ليبدأ من هناك رحلة تعلم وظيفة جديدة. ولكن ذلك لم يثنيه عن حلمه في  عبور المتوسط، فما إن يجد الفرصة حتى يقدم كل الأموال التي جمعها إلى مهرب.

من سبها .. فتونس ولكن الوجهة النهائية واحدة

تنقل اسماعيل في العمل بين وظائف متعدد وبأجور زهيدة في سبها عازما على جمع المال لدفع تكلفة العبور نحو أوروبا.

بعد أشهر يأخذوه مهربون مع مجموعة أخرى إلى مدينة زوارة الساحلية حيث يركب قارباكان يفترض أن يوصله إلى الشواطئ الإيطالية. لكنها رحلة بائت بالفشل حيث تعطل محرك المركب بعد لحظات من المغادرة ليجد نفسه مجددا على الشاطئ في اليوم التالي هاربا من شرطة السواحل الليبية  التي تمكنت من إعتقال كثيرين غيره.
بعد سنوات من الفشل، قرر إسماعيل الانتقال إلى تونس، حيث كان الأمل يراوده بأن تكون طريقًا أسهل نحو أوروبا. لكنه اصطدم بواقع مختلف، حيث شددت السلطات التونسية الرقابة، وأصبح المهاجرون عرضة للتوقيف والترحيل.

 في تونس، حصل إسماعيل على مأوى لفترة قصيرة، في مركز لأستقبال اللاجئين بمدينة مدنين.

ولأن اسماعيل كان يتشبث بمواصلة الرحلة نحو أوروبا فإنه لم يلبث هناك سوى أسبوع قبل أن ينطلق إلى مدينة جربة. هناك عمل في حظائر بناء النُزل ليجمع ثمن الهجرة السرية نحو أوروبا. ولكنه فشل كالعادة في الرحلة الأولى والثانية وبات يخاف البحر أكثر فأكثر بعد أن رأى حجم الناس وتواتر غرق المراكب.

إلى هذه اللحظة يعاني إسماعيل رهاب البحر بعد أن عرف أن أحد المراكب الذي كان سيستقله ذات شتاء 2023  قد غرق موديا بحياة 3 أشخاص. ولكنه رغم شبح الموت الذي لم يفارقه طيلة السنوات السبع الماضية لا يزال اسماعيل يجمع فتات المال الذي يتلقاه من عمله في طلاء المنازل في جرجيس استعدادا للمحاولة من جديد وتشبثا بحلم تحويل مسودات أغانيه التي يحملها معه منذ أن كان في ليبيا أملا في أن تصل يوما ما إلى الجماهير.

 في عام 2023، عبر أكثر من 186 ألف مهاجر البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، لكن إسماعيل لم يكن بينهم. كان أفضل حظًا من 2500 مهاجر ماتوا أو فُقدوا في هذا الطريق، لكنه لا يزال عالقًا بين الأمل واليأس.


تُظهر إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة أن حوادث الغرق "غير مرئية" غالبًا، مما يعني أن العدد الحقيقي للوفيات أعلى بكثير مما هو مُعلن.