ممرات التهريب الإيرانية: إليانا وسلسلة من الرحلات المشبوهة
أخبار الآن | 7 نوفمبر 2024
في 14 يونيو 2024، انطلقت السفينة "إليانا" (IMO 9165827)، المملوكة للخطوط البحرية الإيرانية والمُدرجة على قائمة العقوبات الأمريكية، في رحلة غامضة من ميناء الشهيد رجائي الإيراني. مرت السفينة عبر موانئ مختلفة وفق مناورات غامضة ومدروسة في الشرق الأوسط وأفريقيا، شملت بربرة بالصومال، واللاذقية بسوريا، ومصراتة وبنغازي بليبيا، وكونستانتا برومانيا، وأظهرت أنماطًا مشبوهة مثل التلاعب بنظام AIS وتغيرات متكررة في الغاطس، مما يشير إلى احتمال تورطها في تهريب شحنات سرية.
نُسلط الضوء في هذا التحقيق على مسار السفينة خلال الأشهر الأربع التي مضت، وعمليات التوقف المثيرة للشك، والأدلة التي تعزز فرضية تورطها في عمليات تهريب متعددة قد تشمل الأسلحة والذخائر في مناطق تعرف حروبا ونشاطات مسلحة مثل الصومال وسوريا واليمن.
إليانا، هي سفينة شحن متعددة الأغراض ترفع العلم الإيراني ,تبلغ حمولتها 22,882 طنًا. السفينة والشركات المالكة والمسيرة لها متهمة بخرق العقوبات العسكرية والاقتصادية المفروضة على إيران من قِبَل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، كندا وسويسرا، حيث تشمل الاتهامات نقل أسلحة دمار شامل ودعم البرنامج النووي الإيراني وتجارة الأسلحة الإيرانية.
تشغّل السفينة شركة رهبران أميد دريا لإدارة السفن، وهي تابعة لشركة كشتيراني الجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRISL). وقد ساعدت هذه الشركة كشتيراني إيران على التحايل على العقوبات، حيث قدمت، وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، خدمات لوجستية لوزارة الدفاع الإيرانية ولوجستيات القوات المسلحة (MODAFL). بموجب الأمر التنفيذي 13599 الصادر في 5 نوفمبر 2018، أضيفت كشتيراني إيران وفروعها إلى قائمة الأفراد والكيانات المحددة الخاصة (SDN) التابعة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، مما جمّد أصولها داخل نطاق الولايات الأميركية ومنع التعاملات معها من قِبَل الأطراف الأميركية.
وتعدّ إليانا السفينة الخامسة من ست سفن شحن متشابهة ذات حمولة 22,882 طن طلبتها كشتيراني إيران من حوض بناء السفن الكوري هيونداي ميبو بين عامي 1998 و1999. السفن الأخرى هي: نغار، جولسان، أيسان، ألوان، و آرزوي.
الانطلاق من ميناء الشهيد رجائي، إشارات وتحركات غامضة
انطلقنا في رصد إليانا في منتصف يونيو الماضي اعتمادا على بيانات موقع تتبع السفن Marine Traffic. غادرت إليانا ميناء الشهيد رجائي في 14 يونيو 2024، لكن قبل خروجها من المياه الايرانية، توقفت قرب جزيرة هرمز لمدة 18 ساعة حيث كانت على مقربة من السفينة الإيرانية الأخرى BEHNAVAZ، الموجودة هي الأخرى أيضا على قائمة العقوبات الأمريكية مما يثير الشكوك حول تنسيق محتمل بين السفينتين لتبادل الشحنات.
منذ ذلك التوقف ومغادرة المياه الإيرانية، تغير AIS وضع للسفينة عدة مرات واستمر في حالة عدم الثبات لمدة 38 يومًا، من 18 مايو 2024 حتى 25 يونيو 2024، مما يشير إلى تلاعب متعمد بالنظام لتجنب الرصد المباشر. هذه التقنية تعد أسلوبًا شائعًا لإخفاء حركة السفن المشتبه بها وتفادي الرقابة في المناطق المضطربة.
منذ ذلك التوقف ومغادرة المياه الإيرانية، تغير AIS وضع للسفينة عدة مرات واستمر في حالة عدم الثبات لمدة 38 يومًا، من 18 مايو 2024 حتى 25 يونيو 2024، مما يشير إلى تلاعب متعمد بالنظام لتجنب الرصد المباشر. هذه التقنية تعد أسلوبًا شائعًا لإخفاء حركة السفن المشتبه بها وتفادي الرقابة في المناطق المضطربة.
وفقًا للقانون البحري الدولي واتفاقية سلامة الحياة في البحر (SOLAS)، يُعتبر جهاز التعريف التلقائي (AIS) أداة ضرورية لتعزيز سلامة الملاحة وتجنب التصادمات بين السفن، ويتوجب على جميع السفن التي تتجاوز حمولة 300 طن ( حمولة اليانا الصافية 8524 طن) الإبقاء عليه قيد التشغيل. يتطلب القانون بقاء جهاز AIS في حالة تشغيل دائم عندما تكون السفينة في وضع الإبحار أو التثبيت، حيث يساعد على تجنب الحوادث وضمان سلامة الطاقم.
يمكن للربان إيقاف جهاز AIS فقط في حالات محددة تتعلق بالسلامة، مثل عبور مناطق عالية المخاطر كالمناطق التي تنتشر فيها القرصنة. في هذه الحالات، يجب تسجيل سبب الإيقاف في سجل السفينة، كما يجب إعادة تشغيل الجهاز فور زوال الخطر. ومع ذلك، تؤكد منظمة مراقبة الصيد في العالم أن إيقاف الجهاز دون مبرر مشروع إشارة مثيرة للشكوك، حيث يمكن أن يوحي بأنشطة غير قانونية كتهريب البضائع أو التحايل على العقوبات.
التوقف الطويل في ميناء الشهيد رجائي وتحميل شحنة غامضة على رصيف يخلو من الرافعات
ولكن حتى قبل مغادرة ميناء الشهيد رجائي بشكل نهائي، توقفت إليانا لمدة 14 يومًا على رصيف خالٍ من الرافعات، بعد أن قضت بضعة أيام على رصيف آخر، يُستخدم عادةً للشحنات العامة أو البضائع الثقيلة التي لا تحتاج إلى مناولة عبر رافعات الحاويات. هذا التوقف الطويل في منطقة غير مخصصة للحاويات يثير التساؤلات حول طبيعة الشحنة التي تم تحميلها، ويعزز الشكوك حول إمكانية تحميل شحنة أسلحة أو معدات حساسة بعيدًا عن أعين الرقابة.
موقع إليانا يوم 22 مايو 2024.
موقع إليانا يوم 22 مايو 2024.
اليانا على رصيف مخصص للحاويات يوم 22 مايو 2024 لتفريغ شحنة قادمة من ميناء دار السلام في تنزانيا. وقد تغير غاطس السفينة حينها من 6.6 إلى 6 متر.
BEHDAD سفينة
BEHDAD سفينة
الرصيف الذي وقفت فيه اليانا لمدة أربعة عشر يوما قبل التوجه إلى سواحل الصومال ثم روسيا. تظهر في الصورة سفينة BEHDAD الموجودة هي الأخرى على قائمة العقوبات الأمريكية والتابعة كذلك لشركة موسخار داريا.
إليانا في رصيف ميناء الشهيد رجائي يوم 14 يونيو 2024
إليانا في رصيف ميناء الشهيد رجائي يوم 14 يونيو 2024
رغم أن اليانا سظهر لاحقا محملة بالحاويات إلا أنها كانت قد توقفت في رصيف خالي من الحاويات.
التوجه نحو خليج عدن وغلق جهاز AIS
بعد عبورها لمضيق هرمز ودخولها إلى خليج عدن، أغلقت إليانا جهاز AIS أثناء مرورها قرب المياه اليمنية والعمانية، مما يزيد الشكوك حول نواياها إذ تشير تقارير استخباراتية أمريكية بأن المنطقة تعتبر أحد أهم مسالك تهريب الأسلحة من إيران إلى جماعة الحوثي حلفائهم في اليمن. يظهر أن إليانا قد استغرقت حوالي خمسة أيام لتصل من خلين عمان إلى خليج عدن في 21 يونيو 2024، وهو ما يعتبر عمليا أطول من الوقت المفترض لسفينة شحن. وهو ما يشير إلى أن السفينة قد تكون بالفعل قد توقفت في مناطق معينة أو بطأت جدا من سرعتها بما يتيح لها نقل سلع أو أشخاص إلى قوارب سفن أصغر في عرض البحر.
بناء على المدة التي استغرقتها إليانا بين خليجي عمان وعدن بحساب مسافة 1078 ميلا بحريا بين النقطتين في خمسة أيام فهي قد كانت تسير بمعدل 9 عقد بحرية (أو أقل) وهو ما يعتبر تباطؤا بالنسبة لسفن الشحن، مما يثير الشكوك، خاصةً وأنها عادةً ما تُبحر بسرعات أعلى (بين 12 و 15 عقدة). ورغم أنه قد تتسبب الأحوال الجوية السيئة مثلا في تباطؤ السفن إلا أن هذا لم يحدث فعليا إذا لم تتجاوز سرعة الرياح كما نرى على موقع مارين ترافيك 19 عقدة تقريبا في النصف الأول من المسافة المذكورة، ولم ترتفع الأمواج عن نصف متر ما يجعل من تأثير الظروف الجوية المحيطة على سرعة سفينة الشحن محدودا جدا.
بناء على هذه المعطيات يمكن أن نفهم أن سرعة إليانا المنخفضة كانت متعمدة، وهي ممارسة تُعرف بـ"السفر ببطء" (Loitering) أو "التعتيم" (going dark)، وفق الاتحاد الدولي للتأمين البحري (IUMI) الذي يعتبره سلوكا مثيرا للشكوك ودليلا حول تورط السفينة في أنشطة غير مشروعة، مثل التهرب من المراقبة في المناطق الحساسة أو محاولة تجنب الكشف في المناطق الخاضعة للعقوبات.
في الحقيقة على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، يظهر سجل "إليانا" 41 رحلة، منها 30 رحلة محملة و11 رحلة فارغة، بمسافة متوسطة لكل رحلة 763 ميلًا بحريًا، مع مسافة أكبر للرحلات المحملة بلغت 879 ميلًا بحريًا مقارنة بـ445 ميلًا بحريًا للرحلات الفارغة. وتظهر البيانات سرعة أعلى في الرحلات المحملة، حيث بلغ متوسط السرعة 13 عقدة، وهو ما يعكس تبايناً لافتاً في أنماط التشغيل. ويشير هذا التباين إلى أن السفينة قد تستخدم سرعة أقل عمداً عند عودتها فارغة، ربما لتجنب الرصد أو تقليل الانكشاف في المواقع الحساسة، مما يعزز الشكوك حول نوايا هذه التحركات.
وضعت المنظمات الدولية مثل المنظمة البحرية الدولية (IMO) ضوابط لضمان الشفافية في حركة السفن، إذ تعتبر السرعات غير الطبيعية والتوقفات الطويلة عند المواقع المشبوهة علاماتٍ قد تُشير إلى أنشطة مشبوهة أيضا.
ولكن ما يثير الفضول أكثر في رحلة إليانا هذه هو أنها خرجت من ميناء الشهيد رجائي معلنة عن قناة السويس كوجهة ولكنها توقفت قبل دخول القناة في واحدة من أكثر المناطق المشبوهة في القرن الإفريقي، سواحل الصومال وتحديدا قبالة ميناء بربرة ولمدة تسع ساعات وهو ما يعد تصرفا مثيرا للشبهة خاصة وأن الميناء المذكور يُعدّ نقطة استراتيجية ومحورية في شبكات تهريب الأسلحة في القرن الإفريقي. وهو واحد من عدة معابر تستخدم لعبور الأسلحة الإيرانية التي يتم تهريبها إلى الجماعات المسلحة الموالية لها أو الموجودة في المنطقة على غرار حركة الشباب الإرهابية.
وبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة البحرية، يُستخدم الميناء لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى جماعات مثل الحوثيين. إذ يستفيد المهربون من الموقع الجغرافي لبربرة على الساحل الشمالي للصومال، حيث تصل إليه سفن الداو التقليدية الصغيرة المحملة بالأسلحة، والتي يصعب مراقبتها بسبب ضعف الإمكانيات البحرية في المنطقة.
توقف إليانا المريب قد يشير إلى أن عملية نقل أسلحة قد تمت في عرض البحر مع سفن أخرى لا يمكن تعقبها في البحر وبناء على المصادر المفتوحة.
الوصول إلى اللاذقية وتغيير الغاطس وأدلة عن التلاعب بنظام AIS
بعد المسار المتباطئ قرب السواحل اليمنية والتوقف قبالة ميناء بربرة حيث تنتشر عمليات تهريب الأسلحة وصلت إليانا في 29 يونيو 2024، إلى ميناء اللاذقية في سوريا، أحد الموانئ التي تُستخدم في توزيع الأسلحة الإيرانية إلى حلفاء إيران في الشرق الأوسط، مثل حزب اللّه.
وقد كانت إيران وسوريا قد أعلنتا بداية 2021 عن خط الشحن البحري المباشر بين ميناء بندر عباس في إيران وميناء اللاذقية السوري، ومنذ ذلك الحين ظهرت شبهات حول استخدام هذا المسار لتهريب الأسلحة، خاصة في ظل تقارير أشارت إلى استهداف إسرائيل لسفن إيرانية كانت متجهة إلى سوريا. إذ تسعى إيران وفق هذه التقارير إلى تعزيز نفوذها في سوريا وتزويد حلفائها، مثل حزب الله، بالأسلحة والمعدات العسكرية عبر اللاذقية، الذي يُعتبر نقطة وصول بحرية مهمة لنقل الشحنات غير المشروعة. وقد أفادت بعض التقارير بأن الأسلحة المهربة تتضمن تقنيات متقدمة ونظم صواريخ يتم تهريبها تحت غطاء شحنات تجارية.
هذا المسار البحري الجديد بين إيران وسوريا أثار أيضًا انتباه السلطات الدولية، إذ اعتبره البعض محاولة من إيران للإلتفاف على العقوبات المفروضة عليها وتمرير الأسلحة بطريقة سرية. و لكن هذا الخط تأخر في تشغيله وبقي نشاطه إلى الآن محدودا غير أن ميناء اللاذقية يظل محورًا مركزيًا في سلسلة التهريب الإيراني إلى سوريا ولبنان، مما يعزز الشكوك حول دوره في نقل الأسلحة وتقديم الدعم اللوجستي للعمليات الإيرانية الإقليمية.
في تصريح لأخبار الآن يقول الخبير الاقتصادي السوري أسامة القاضي: إن من يدير ميناء اللاذقية اليوم هم الروس وقد أخرجوا الإيرانيين من الميناء عقب قصف الإسرائيليين لجزء من ميناء اللاذقية وكي تكون حجة للروس ليطردوا الإيرانيين من الميناء ويشدّد على عدم وجود أي ميناء في سوريا تحت السيادة السورية سواء طرطوس أو اللاذقية أو بني ياس فإن كان هناك أي بواخر إيرانية تستخدم ميناء اللاذقية فهي بالضرورة تتم بموافقة روسية ولدعم 513 موقعا عسكريا ايرانيا.
ولكن القاضي يشكك في أن تكون روسيا حاليا تسمح بإدخال كميات كبيرة من الأسلحة الإيرانية إلى سوريا لأن الروس متهمون بإعطاء اسرائيل احداثيات القواعد الإيرانية في سوريا لقصفها بما أنهم مسؤولون عن المرور الجوي في أجواء سوريا و ادارتهم لمنظومة من الرادارات وعلى رأسها نظام اس 400 فعندما تدخل طائرة اسرائيلية لضرب نقاط عسكرية ايرانية داخل سوريا فذلك يعني ضرورة أن روسيا قد سمحت بذلك وفق القاضي.
ويشير القاضي بخصوص صفقة المسيرات الايرانية مع روسيا لاستعمالها في الحرب على أوكرانيا أن هذه السفن الإيرانية مثل اليانا قد تكون تحمل هذه المسيرات كنقطة عبور حتى لا توجه مباشرة إلى روسيا كما لا ينفي القاضي أن تكون هذه السفن تهرب الكبتاغون ايضا من سوريا.
ويختتم أسامة القاضي: "في الملف السوري الروس غير راضين عن الوجود والنفوذ الإيراني لأن روسيا تريد حليف قادرا على إبرام صفقات أسلحة وصفقات تجارية بينما المشروع الإيراني قائم على إنشاء دولة ميليشيات على غرار ما فعلته في لبنان"
خلال فترة بقاء إليانا في ميناء اللاذقية، والتي امتدت لحوالي 26 يومًا، ظهرت إشارات متقطعة من جهاز AIS تشير إلى تحركات غير اعتيادية. في يوم 1 يوليو 2024 أظهرت بيانات AIS أن إليانا قد حددت وجهتها المقبلة نحو ميناء طرابلس في لبنان لكنها سرعان ما غيرتها مرة إلى وجهة غير محددة في غضون دقائق. ولكن تظهر إشارات متقطعة من جهاز AIS السفينة قبالة ميناء بيروت يوم 3 يوليو لكنها اختفت مجددًا عندما تم إغلاق جهاز AIS. هذه التغيرات المتتالية في وجهتها وإشارات الموقع المتضاربة تشير إلى احتمالية قيام إليانا بتحركات سرية في عرض البحر بعيدًا عن الأنظار.
تثير هذه التحركات والتلاعبات بنظام AIS عدة احتمالات مشبوهة، منها أن السفينة ربما غادرت ميناء اللاذقية لفترة وجيزة، دون تسجيل ذلك بشكل رسمي، وعادت لاحقًا تحت غطاء من التعتيم المتعمد. قد يكون الهدف من هذه المناورات هو تفريغ شحنات سرية أو التواصل مع سفن أخرى خارج نطاق الموانئ، مستغلةً ضعف الرقابة في هذه المنطقة البحرية.
في النهاية غادرت إليانا اللاذقية في يوم 5 يوليو متوجهة إلى قناة السويس في الوقت الذي لا تظهر فيه البيانات إن كانت قد حملت أي سلع ما.
التوقف قبالة ميناء أبو زنيمة في البحر الأحمر
بعد مغادرتها ميناء اللاذقية في سوريا، اتجهت السفينة إليانا جنوبًا عبر قناة السويس، ووصلت قبالة ميناء أبو زنيمة في 10 يوليو 2024. كانت السفينة قد تجاوزت الميناء في البداية لمدة يومين دون التوقف، ثم عادت لاحقًا لترسو بأبو زنيمة. خلال هذا التوقف، أظهرت بيانات نظام AIS سلسلة من الإغلاقات المتعاقبة للنظام، ما أدى إلى تضارب في اشارات موقعها لفترات متتالية.
تجاوز إليانا ميناء أبو زنيمة في البداية قد يكون محاولة لتجنب الرصد أو اختيارًا لتوقيت الحركة في المنطقة. وبالعودة إلى سجل Port Calls لإليانا لا نجد أي اتصال رسمي مع ميناء أبو زنيمة وهو ما يشير إلى أنها تجنبت إعلانها ادخول للميناء لتجنب الخضوع لإجراءات الموانئ المعتادة، مما يعزز الشكوك حول نشاطها خلال هذا التوقف.
هذا السلوك يعكس استراتيجية السفينة في استغلال نقاط ضعف الرقابة في أبو زنيمة لإجراء عمليات مشبوهة دون تسجيل رسمي. وقد يكون الهدف هو نقل شحنات حساسة إلى وجهات غير معلنة، حيث سمح لها غياب بيانات Port Calls بالمواصلة بعيدًا عن أي قيود قانونية أو رقابية، ما قد يجعل الميناء محطة توزيع غير رسمية ضمن خطة النقل السرية التي تتبعها إليانا.
يقع ميناء أبو زنيمة على الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء في مصر، ويُعرف بأنه ميناء صغير وغير مزدحم نسبيًا، وغالباً ما يُستخدم للأغراض المحلية والتجارية البسيطة. يتميز الميناء بموقعه القريب من عدد من المنشآت الصناعية والموانئ الصغيرة التي تُستخدم في نقل المواد الخام وتوريدها. ونظرًا لمحدودية التجهيزات والمعدات فيه، لا يُعتبر الميناء محطة رئيسية للبضائع الثقيلة أو التجارية الكبيرة، بل غالباً ما يتم الاعتماد عليه لنقل الشحنات ذات الحجم المتوسط، مثل المواد الخام والبضائع العامة وهو ما لا يتناسب مع طبيعة السفينة اليانا
توقف ثان قبالة بربرة
بعد الخروج من أبو زنيمة توجهت إليانا جنوبا عبر البحر الأحمر وعوض أن تتوجه مباشرة إلى إيران توقفت مرة أخرى قبالة السواحل الصومالية على مستوى ميناء بربرة في 20 يوليو 2024، وقد كان زمن الوقوف كذلك مشابها للتوقف في رحلة الذهاب أي حوالي 10 ساعات كما أنها قد عمدت خلال تواجدها هناك إلى إغلاق جهاز التعرف التلقائي مرة أخرى رغم المخاطر المحتملة على سفن الشحن في منطقة مضطربة أمنيا.
نهاية الرحلة: تفريغ شحنة ثقيلة في إيران
في 27 يوليو 2024، وصلت إليانا إلى ميناء بندر الإمام الخميني بعد توقفها قبالة ميناء بربرة في 20 يوليو. توقفت السفينة عند رصيف مخصص لتفريغ الشحنات السائبة، رغم أنها سفينة شحن عامة. أثناء وجودها هناك، أغلقت جهاز AIS، مما أدى إلى انقطاع متكرر في موقعها على الخريطة. عند مغادرتها الميناء في 5 أغسطس، أظهرت البيانات تغيرًا حادًا في الغاطس من 9.8 متر إلى 6 متر، مما يشير إلى تفريغ شحنة كبيرة، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت هذه الحمولة قد أُخذت من ميناء اللاذقية، أو من إحدى المحطات الأخرى كأبو زنيمة أو بربرة.
التنقل بين موانئ إيران: تحميل شحنة جديدة
في 10 أغسطس، انتقلت إليانا إلى رصيف آخر في ميناء بندر الإمام الخميني مخصص لشحن الحاويات، مما يشير إلى تغيير محتمل في طبيعة الشحنة. غادرت إليانا هذا الرصيف في 12 أغسطس، متجهة إلى ميناء رجائي حيث رست في رصيف للحاويات يوم 28 أغسطس. يُذكر أنها أغلقت جهاز AIS أثناء إبحارها قرب جزيرة قشم، حيث بقيت غير مرصودة لأيام بين 14 أغسطس و28 أغسطس. غادرت السفينة ميناء الشهيد رجائي في 31 أغسطس نحو قناة السويس، وتوقفت قبالة ميناء جاسك المعروف بنشاطات التهريب لمدة 12 ساعة، حيث أغلقت جهاز AIS مجددًا لتعيد فتحه لاحقًا عند وصولها قبالة السواحل الصومالية.
التوقفات المشبوهة في عرض البحر: بربرة مجددا
في 7 سبتمبر 2024، ظهرت إليانا قبالة السواحل الصومالية، حيث توقفت هناك لمدة تسع ساعات تقريبًا دون دخول أي ميناء. استمرت إشارات AIS مشوشة أثناء صعودها نحو البحر الأحمر. تعتبر بربرة محطة مشبوهة في مسار السفينة، وقد تكرر التوقف في أقل من أربعة أشهر 3 مرات كانت يوم 21 يونيو و 20 يوليو و 7 سبتمبر فيها في عدة رحلات، مما يعزز الشكوك حول استخدامها كنقطة توزيع غير رسمية.
هذه التوقفات الأخيرة المتكررة وبناء على المعلومات والتقارير الأخيرة فإن اليانا قد تكون ضالعة في تهريب الأسلحة بشكل غير مباشر كحركة الشباب في الصومال. فبناء على جميع التحركات يظهر فعليا أنها تنقل شحنات سررية تحت غطاء سلع أخرى شرعية.
فقد كشف تقرير للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة ,والعابرة للحدود سنة 2020 أنه قد وُجدت بالفعل أسلحة إيرانية الصنع، مثل بنادقType 56-1، في اليمن والصومال، مما يشير إلى رابط بين عمليات شحن الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين وتدفقها لاحقاً إلى جماعات مسلحة صومالية، حينها بما فيها حركة الشباب. ويثير هذا التسلسل مزيداً من الشكوك حول توقفات إليانا المتكررة وقطع إشارات نظام AIS في مناطق النزاع القريبة من المياه الصومالية، ما يعزز الشكوك بارتباط السفينة بطرق تهريب جديدة للأسلحة مباشرة نحو حركة الشباب دون المرور بالحوثيين.
التوقف قبالة اللاذقية وتفريغ شحنة سرية
وصلت إليانا قبالة ميناء اللاذقية في 15 سبتمبر، وأغلقت جهاز AIS تمامًا، مما يعيق تتبع حركتها الفعلية في المنطقة. لم يتم تسجيل اتصال رسمي مع ميناء اللاذقية، مما يشير إلى أن السفينةلم تدخل ميناء اللاذقية بل أفرغت شحنتها في عرض البحر كما تشير اشارات جهاز AIS . إذ نرى تغيرا في الغاطس من 9.4 متر إلى 9.1 متر، مما يدل على تفريغ جزئي للشحنة. هذه المناورة تؤكد فرضية أن الشحنة كانت حساسة وتستدعي عدم الكشف عنها بشكل رسمي كما يظهر أن معظم زمن التوقف هناك كان في الليل.
بعد أن غادرت سفينة الشحن الإيرانية إليانا قبالة سواحل اللاذقية في منتصف سبتمبر 2024، واصلت رحلتها شمالًا، لتصل إلى ميناء كونستانتا في رومانيا في 22 سبتمبر 2024.
مناورات اليانا قبالة سواحل اللاذقية وتفريغ شحنة سرية.
مناورات اليانا قبالة سواحل اللاذقية وتفريغ شحنة سرية.
التفتيش والاحتجاز في ميناء كونستانتا
في 22 سبتمبر 2024، وصلت إليانا إلى ميناء كونستانتا في رومانيا، عند الساعة الثالثة صباحاً، كشفت الصور المنشورة على موقع MarineTraffic عن وجود اختلاف في مستوى الغاطس بين 22 سبتمبر و23 سبتمبر، مما يشير إلى تفريغ شحنة ثقيلة قبل التفتيش.
بعد تفريغ الشحنة بين 22 و 23 سبتمبر 2024 تم توجيه اليانا الى رصيف آخر داخل ميناء كونستانتا للتفتيش عند الساعة التاسعة ليلا.
خلال تفتيش سفينة إليانا في ميناء كونستانتا، كشفت السلطات الرومانية عن 20 مخالفة جسيمة تتعلق بأنظمة السلامة، التوثيق، تجهيزات مكافحة الحرائق، ونوعية المؤن المقدمة للطاقم، إلى جانب مشاكل في الاتصالات الراديوية وسجلات الملاحة. أدت هذه المخالفات إلى احتجاز السفينة لمدة أربعة أيام، حيث كانت أبرز العيوب تتعلق بنقص التدريب في أنظمة الطوارئ، والتآكل في الأبواب، وغياب مسجل بيانات الرحلة، ونقص تحديث الخرائط، مما يثير التساؤلات حول كفاءة إدارة السفينة.
تشير هذه العيوب وتاريخ السفينة المعروف بـ إغلاقات متكررة لجهاز AIS وتغيرات غير مبررة في الغاطس، إلى شكوك قوية حول استخدام إليانا لأنشطة مشبوهة. فمن المحتمل أن يكون التدهور في الصيانة والسلامة وسيلة للتغطية على نقل شحنات حساسة، خاصةً مع اختيار موانئ محددة في ساعات متأخرة وتكرار دخولها إلى مواقع استراتيجية كالبحر الأحمر والموانئ الليبية لاحقا.
الانتقال إلى ليبيا: مصراتة وبنغازي كمحطات شحن محتملة
بعد مغادرتها كونستانتا، توجهت إليانا جنوبًا نحو البحر الأبيض المتوسط. دخلت إليانا ميناء مصراتة في 3 أكتوبر 2024 ليلاً بعد انتظار يوم كامل في عرض البحر. لاحقا قضت حوالي 15 ساعة في الميناء قبل أن تغادر في اليوم نفسه. أثناء وجودها في مصراتة، أظهرت بيانات AIS إشارات متقطعة.
في مصراتة قامت إليانا بتفريغ شحنة أخرى كما ظهر من سجل بيانات السفينة على موقع Marine Traffic تغير في الغاطس من 7.8 إلى 6.5 متر
بعد مغادرتها مصراتة، واصلت إليانا رحلتها باتجاه الشرق إلى ميناء بنغازي، توقفت في عرض البحر لمدة 14 يومًا قبل دخولها الميناء في 19 أكتوبر على الساعة 2:41 بعد منتصف الليل. توقيت الدخول المتأخر يدعو للتساؤل، حيث أن السفينة لم تُسجل دخولها خلال النهار، مما يشير إلى رغبة في عدم لفت الأنظار. في بنغازي، ارتفع الغاطس 6.5 متر إلى 8.8 متر بعد مغادرة الميناء، مما يدل على تحميل شحنة ثقيلة جديدة. تشير هذه التغيرات إلى أن السفينة قد تكون قد نقلت مواد ذات طبيعة حساسة أو غير قانونية، وربما تم تحميلها بعيدًا عن الإشراف المباشر.
بشكل عام تشير البيانات المتاحة للأشهر الإثني عشرة الماضية إلى نمط من الأنشطة المشبوهة في حركة اليانا. فبينما تظهر استمرارية شبه كاملة بنسبة 100٪ لنقل الإشارات، تسجل السفينة فترات انقطاع تجاوزت 3 ساعات بلغ مجموعها 7 أيام و3 ساعات. هذه الانقطاعات المتفرقة وفي مواقع حساسة تنتشر فيها أنشطة غير قانونية وانعدام للأمن مثل سواحل الصومال والبحر الأحمر مؤشر قوي على محاولات متعمدة لإخفاء الموقع عند الابتعاد عن نطاق التغطية الأرضية، مما يثير التساؤلات حول أنشطة ترغب السفينة في إخفائها، خاصة في المناطق القرصنة وتجارة الأسلحة وتهريب المخدرات.
بالإضافة إلى ما سبق نلاحظ أن دقة الوجهات المبلغ عنها ضعيفة، حيث تطابق الوجهات المصرح بها مع موانئ فعلية بنسبة 67٪ فقط، ودقة الوجهات المدونة لا تتجاوز 25٪. هذا التباين يشير إلى احتمالية تغيير السفينة لوجهاتها بشكل متكرر، مما يعزز من فرضية محاولة تضليل مراقبي حركة السفن أو التهرب من الرقابة على تحركاتها. إضافةً إلى ذلك، تُظهر البيانات أن التوقيتات المتوقعة للوصول كانت غير دقيقة بشكل كبير، بفارق يصل إلى يومين و11 ساعة عن التوقيت الفعلي، مما يضيف مؤشراً آخر على محاولات التمويه في مسار السفينة.
وأخيراً، تعزز السرعة المتدنية التي تسير بها السفينة، بمتوسط 8.1 عقدة في الساعة، من الشكوك حول سلوكها. فالتباطؤ قد يكون مقصوداً لتقليل استهلاك الوقود، إلا أنه يمكن أن يكون أيضاً جزءاً من إستراتيجية لإخفاء تحركاتها، خاصة عندما تتجنب المسارات المعتادة أو تؤخر وصولها إلى وجهات معينة. كل هذه العناصر مجتمعة تشير إلى نمط متعمد من التلاعب بالإشارات والوجهات، مما يوحي بوجود أنشطة غير معلنة تسعى السفينة إلى اخفائها.
بعد مغادرة إليانا ميناء بنغازي في 20 أكتوبر 2024، تقف حاليا في عرض البحر محملة منذ أيام قبالة سواحل جزيرة أبو موسى المحتلة من قبل إيران، في الخليج العربي.
في سياق العمل على التحقيق وقبل النشر راسلت أخبار الآن الخطوط البحرية للجمهورية الإيرانية الإسلامية للإستفسار منها عن كل ما تم كشفه في هذا التحقيق ولكننا لم نتلقّ ردّا.
كذلك تواصلت أخبار الآن مع شركة التأمين Steamship Mutual التي يظهر أنها تؤمن على إليانا لمعرفة حقيقة مواصلة تأمينها في ظلّ العقوبات الأمريكية وتحركات السفينة المشبوهة.
كذلك لم نتمكن من الوصول إلى كافة تفاصيل طاقم السفينة عدا معلومات محدودة من موقع BalticShipping.com.