شهادات مؤلمة من ضحايا حرب لبنان.. مريم: خسرت شقيقي بسبب قيادياً يسكن بيننا
أخبار الآن | دبي - 27 سبتمبر 2024
مريم وفقدان شقيقها: حين تحول حيّهم الآمن إلى هدف بسبب قائد مخفي
مريم، في الثامنة والعشرين من عمرها، كانت تعيش حياتها كما يفعل الكثيرون في الضاحية الجنوبية. حياة بسيطة، مليئة بالأحلام الصغيرة التي تضيء أيامها. شقيقها الأصغر كان محور عالمها، طالب جامعي يدرس التمريض، شاب متفائل، يبتسم للحياة رغم كل ما يحيط بهما من صعوبات. كرة القدم كانت هوايته، وكان يحلم بمستقبل مليء بالفرص والفرح. لم يكن له أي علاقة بالسياسة، ولم يشترك في الصراعات التي تدور حولهما.لكن في ليلة واحدة، تحطمت كل تلك الأحلام.
تقول: "لم نكن نعلم أن هناك قيادياً يسكن بيننا، أو أنه على الأقل استخدم ملاجئنا الآمنة للاجتماع بعناصره داخل حيّ سكني يعج بالمدنيين" هكذا بدأت مريم حديثها معنا ، متحدثة عن السبب وراء استهداف الحي الذي تسكنه .
في لحظة واحدة، عندما دوت انفجارات في حيهم، كل شيء تغيّر. مريم لم تستطع أن تدرك ما حدث في البداية. كان الانفجار قوياً، جعل جدران البيت تهتز، وأقدامها تتجمد من الرعب. خرجت من المنزل وبدأت تركض، تبحث عن شقيقها، ولكن دون جدوى. في قلبها، كانت تأمل أنه بخير، أنه سيعود ليقرع الباب كما كان يفعل دائمًا، بابتسامة على وجهه وعينين مليئتين بالأمل.
لكن تلك اللحظة لم تأتِ. انتظرت مريم وعائلتها طوال الليل في خوف وقلق لا ينتهيان، حتى جاء الفجر ومعه الحقيقة القاسية: شقيقها كان قد رحل. عُثر على جثته تحت الركام، مخبأة بين الأنقاض التي كانت ذات يوم بيتهم الآمن.
تتحدث مريم عن شقيقها وكأنها تتحدث عن جزء من روحها قد اقتُلع منها. تقول بصوت متهدج: "لم يكن له علاقة بما يجري حولنا. لم يكن مقاتلاً، ولا سياسياً. كان فقط شابًا يحلم، مثل أي شاب آخر". تُكمل وهي تغالب دموعها: "كيف انتهى به الأمر هنا؟ كيف سُرق منا بهذه الوحشية؟".
في قلبها يغلي غضب مكتوم، ليس فقط على مَن أطلق الصواريخ، بل على كل من ورّط حياتهم في صراع لا دخل لهم به. تقول مريم بحزن مخلوط بالمرارة: "لم نختَر هذا الطريق، ولم نطلب أن نكون جزءًا من هذه الحرب. نحن فقط نريد أن نعيش، أن نحلم، أن نبني حياتنا بعيدًا عن كل هذا الخراب".
نزحت مريم مع عائلتها إلى الجبال، هربًا من الموت المتربص بكل زاوية في حيّهم المدمر. لكن حتى في هذا المكان، الألم لا يتركهم. "لم نتمكن حتى من أن نحزن على شقيقي كما يجب. دفناه بسرعة، وكأننا نخشى أن يموت مرة أخرى. لم نحظَ بالوقت لوداعه".
وهي تتحدث، تحاول مريم أن تبقي مشاعرها تحت السيطرة، لكن حزنها يبدو أكبر من أن يُحتمل. "نعيش في خوف دائم. ننتظر الموت في أي لحظة، وكأن حياتنا لم تعد لنا. من يسمعنا؟ من يبالي بما يحدث لنا؟".
وفي النهاية، تجد مريم السلوى الوحيدة في صورة شقيقها التي تحتفظ بها. تقترب منها وتطبع قبلة رقيقة على زجاج الإطار، كأنها تحاول أن تبعث له برسالة أخيرة: "الآن، هو في مكان آمن. لا يمكن لأحد أن يصل إليه. هو الآن في الصورة، حيث لا يمكن لأحد أن يؤذيه".
مأساة الأطفال في خضم العنف والتهجير
أخبار الآن أجرت لقاء مع ايتى هيجنز نائبة ممثل منظمة يونيسيف في لبنان عن المأساة الإنسانية في لبنان، حيث وصل أكثر من 70,000 نازح داخليًا خلال أربعة أيام، مع الأطفال الذين ينامون في المدارس بعيداً عن منازلهم.
قالت: "من المحزن للغاية. لقد عدت للتو من زيارة أحد الملاجئ في بيروت. الآن هناك أكثر من 70,000 شخص نازح داخليًا وصلوا في الأيام الأربعة الماضية فقط. يتم استضافتهم في المدارس ومراكز المجتمع، وبعضهم ينام حتى على جوانب الطرق".
"ما شهدته كان سكانًا يعانون من صدمة شديدة. إنهم لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم القادمة. الأطفال الذين كانوا يتطلعون للعودة إلى المدرسة ينامون الآن في الفصول الدراسية بعيدًا عن منازلهم، غير متأكدين مما إذا كانوا سيعودون إلى منازلهم مرة أخرى. بعضهم فقدوا منازلهم، بينما فرّ آخرون بسرعة بينما كانت المنازل المجاورة تتعرض للقصف. هذا الأسبوع في لبنان هو مأساة حقيقية، ولم يُشاهد هذا المستوى من العنف منذ 18 عاماً".
"تقرير يونيسف يشير إلى مقتل أكثر من 50 طفلًا، مع وجود العديد منهم محاصرين تحت الأنقاض. العدد الأخير يتجاوز 4,000 مصاب، العديد منهم أطفال ونساء، وبعضهم يعاني من إصابات تغير حياتهم. لقد فقدوا أطرافًا وسيحتاجون إلى سنوات من العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل".
"تعمل يونيسف في لبنان منذ سنوات، بالتعاون مع أكثر من 70 شريكًا محليًا ودولياً. نحن نثمن العمل الجاد للعمال في الخطوط الأمامية الذين يستمرون رغم العنف. العديد من الشركاء المحليين من المنظمات غير الحكومية قد تم تهجيرهم بأنفسهم وفقدوا أفرادًا من عائلاتهم، ومع ذلك لا يزالون يقومون بتوزيع الطعام والوجبات الساخنة والبطانيات والمراتب ومجموعات النظافة".
"يعاني لبنان من ضغط شديد بسبب سنوات من الأزمة السياسية والانهيار الاقتصادي، مع موارد محدودة متاحة. الخدمات الاجتماعية الأساسية غالبًا ما تكون غير موجودة، وتواجه الخدمة الصحية ضغطًا هائلًا نتيجة تدفق المصابين. قامت يونيسف بشحن 100 طن متري من الإمدادات الطبية وتحاول إدخال 25 طنًا متريًا أخرى على الأقل. ومع ذلك، فإن عدد الطائرات الراغبة في الطيران إلى بيروت يقلل، مما يجعل من الصعب تلبية الحاجة الهائلة".
"من الضروري إعادة بعض مستويات الطبيعية للأطفال، لضمان وجودهم في بيئات آمنة مع الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية ومياه الشرب النظيفة. تعمل يونيسف على خلق مساحات آمنة للأطفال في الملاجئ، وتدريب مقدمي الرعاية والمتطوعين في المجتمع على الإسعافات النفسية الأساسية والأنشطة الترفيهية. نحن نقدم مجموعات ترفيهية، حتى شيء بسيط مثل كرة القدم، يمكن أن يجلب الفرح للأطفال".
"شارك الأطفال حزنهم بشأن ترك مستلزمات المدرسة والحيوانات الأليفة خلفهم. نحن نسعى لدعم المجتمعات والأطفال، لكن في النهاية، يحتاجون إلى السلام للعودة إلى لبنان، مما يتيح لهم النوم بعمق دون خوف من الغارات الجوية".
"حالياً، نشهد زيادة في العنف في لبنان، بما في ذلك تدمير البنية التحتية المدنية. كانت يونيسف تدعم شركات المياه في لبنان لسنوات، حيث بنت محطات ضخ المياه ومعامل معالجة المياه العادمة لضمان توفر مياه شرب آمنة للملايين. مؤخرًا، تشير التقارير إلى أن العديد من هذه المنشآت قد دمرت أو أصبحت غير قابلة للتشغيل، مما يعقد عودة الأسر إلى منازلها وسبل عيشها".
"رأينا أيضاً غارة جوية قريبة من مستشفى زودته يونيسف بالمعدات. من الضروري حماية البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والمدارس، بموجب القانون الإنساني الدولي. نحن نحث جميع الأطراف على ضمان سلامة هذه البنية التحتية. للأسف، قُتل أطفال وموظفون من الأمم المتحدة بالفعل هذا الأسبوع في لبنان، وفقد العديد من أفراد المجتمع العشرات من أفراد أسرهم في يوم واحد. يجب أن يتوقف هذا الدوران من العنف، حيث يؤثر على جميع المجتمعات في لبنان، بما في ذلك المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين والفلسطينيين".
"سنصدر تقريراً عن تأثير الأزمة على الصحة النفسية، خاصة على الأطفال الصغار الذين يعانون من الضغط السام الناتج عن هذا النزاع. نداء يونيسف الواضح هذا الأسبوع هو من أجل سلامة وحماية جميع الأطفال في لبنان. إن المزيد من التصعيد في النزاع سيكون كارثياً على كل طفل في البلاد والمنطقة بأسرها. هذا الأسبوع، مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، هي فرصة حاسمة للقادة العالميين للتكاتف وإنهاء هذا العنف الأعمى، حيث إن الحل السياسي قد تأخر طويلاً".
الهروب إلى المجهول: 15 ساعة بين الموت والحياة، رحلة أبو جلال وأسرته من الجنوب إلى بيروت
فوق قطعة قماش مهترئة استطاع أن ينجو بها، يجلس أبو جلال الخمسيني رفقة زوجته وأبناءه "جلال وحمزة" عُمر أكبرهم لم يتجاوز 12 عاماً، تحديدا تحت جسر الكولا المؤدي إلى وسط البلد ممسكاً بمناقيش الزعتر التي وزعها عليهم أبناء الأحياء المجاورة ومُرددا جملة واحدة " لم أتوقع أن نصل أحياء إلى هنا ".
رسائل تحذيرية إسرائيلية تصل لهواتف المواطنين اللبنانيين تُحذرهم وتُخبرهم بضرورة إخلاء منازلهم فتتحول الطرقات والشوارع والميادين لطوابير من النازحين الباحثين عن أي ملاذ آمن، هذا كله وسط اتهامات متبادلة بين حزب الله وإسرائيل وخوفا مضطرب من أن يصبح لبنان غزة جديدة وأسئلة لا تنتهي أساسها "بأي ذنب نُقتل؟"
رحلة نزوح استغرقت 15 ساعة، قطعها أبو جلال من الجنوب بلدة النبطية إلى الشمال بواسطة دراجته النارية التي لم تخذله طوال الطريق، حتى هو لا يصدّق كيف حصل ذلك، يقول، "أخذت قرار باللحظة نفسها، حتى أننا لم نتمكّن من لملمة أغراضنا، كان قراراً مجنوناً، إلاّ أنه الوحيد، لا أمتلك سيارة، فإمّا الموت بالغارات التي أصبحت قريبة من منازل المدنيين ومراكز حزب الله، أو المجازفة لأنه الحلّ الوحيد".
يصف أبو جلال المشهد على الطرقات المؤدية إلى مدينة بيروت، آلاف السيارات تحرّكت باللحظة نفسها في ظل غياب أي تنسيق مع السلطات المعنية للتخفيف من زحمة السير التي لم يشهدها لبنان حتى أثناء حرب تموز 2006، ساعات قليلة بعد التصعيد العسكري الذي بدأه الجيش الإسرائيلي كان كفيلاً لإخلاء كافة القرى الحدودية وغير الحدودية من سكانها، فلم يبق أحد.
اتصل ليل الجنوبيين مع نهارهم حتى وصلوا مع ساعات الصباح الأولى إلى أقرب نقطة تعد "آمنة"، على وقع أصوات الغارات العسكرية والوهمية، وطائرات الاستطلاع التي لم تفارق السماء، يضيف أبو جلال بغصّة وهو يحاول حبس دموعه ليبدو متماسكاً، "كلّ ما كنت أتمناه، هو أن يبقوا أولادي على قيد الحياة، فهم لم يروا شيئاً من هذه الدنيا، ولا شأن لهم بالسياسة القذرة التي ورطتنا وورطت أهلنا وأحباؤنا، فلا شأن لهم بصراعات حزب الله وقراراته المدفوعة من إيران، لا شأن لهم بكل ما يحصل، أريدهم أن يبقوا على قيد الحياة".
أخبار الآن أجرت لقاء مع النائبة اللبنانية بولا يعقوبيان التي أوضحت أن التصريحات الإيرانية تُعتبر أكثر تأثيرًا من الغارات الإسرائيلية على حزب الله، مشيرةً إلى تراجع دور المحور الإيراني في دعم حلفائه مثل حماس وحزب الله، مما يكشف ضعف شعارات المقاومة. فقالت: ""قد تكون التصريحات الإيرانية أكثر إيلاماً من الغارات الإسرائيلية على حزب الله. ليس فقط التصريحات الإيرانية، بل كل أداء هذا المحور. حزب الله، كما نعلم جميعاً، ذهب سابقاً إلى سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد والوقوف إلى جانبه".
وتابعت: "اليوم الكل يتساءل: أين هم هؤلاء؟ أين هو المحور الذي تحدثوا طويلاً عنه؟ وأن هذا المحور سيقوم بتحرير الأرض وأن هذا المحور هو محور المقاومة؟ يعني كل هذه الشعارات سقطت في لحظة التجربة، وأصبح واضحاً جلياً أن حماس متروكة لشأنها، وأن حزب الله أيضاً متروك كما هو واضح. لم يبقَ إلا أن يتنصلوا بشكل كامل ويقولوا إنهم لا علاقة لهم بكل هؤلاء. فاليوم الوضع السياسي يتغير بشكل كبير، ومن الواضح أن إيران مردوعة وخائفة، وبنفس الوقت تترك أولادها، أولاد الثورة، كما أسمتهم في الأيام التي لم يكن فيها قصف وضرب وأوقات صعبة. تتركهم في هذه الأوقات الحرجة الآن لحالهم".
أما على الصعيد الإنساني، فإن الوضع في بيروت كارثي. مأساة بشكل كامل، الناس تفترش الأرض في بعض الأماكن. حتى من هم في المدارس لا يطلقون المساعدات الكافية. نحن كهيئات مجتمع مدني نتحرك ونساعد بقدر المستطاع. اليوم، مثلاً، لدينا حملة دفة، ونعاني من تحدٍ كبير لإيجاد فرشات بشكل كافٍ. لا يوجد فرشات كافية نظراً للحاجة الكبيرة. وزعنا الآلاف وسنستمر بالتوزيع، نحن والكثير غيرنا.
يساعد اللبناني مرة جديدة بكل كرم وأخلاق. يساعد نفسه ويتضامن مع أخيه اللبناني. رغم أن هذه الحرب حرب رفضناها منذ البداية، وقلنا إننا اليوم في أوضاع مأساوية في لبنان، ولا نستطيع تحمل تكلفة الحرب. والساحة اللبنانية غير مهيأة اليوم لتحمل هذا الكم من القتلى، والرحمة طبعاً لأرواحهم جميعاً.
لا نستطيع تحمل هذا الكم من الجرحى. المستشفيات اليوم أيضاً في وضع صعب ومأساوي جداً. ولولا المبادرة الفردية، ولولا الجمعيات التي لا تكف الأحزاب الفاسدة في لبنان عن مهاجمتها، لكنا في كارثة إنسانية أكبر بكثير. أتمنى عبر شاشاتكم الكريمة أن ينبه الجميع من يستطيع أن يساعد اليوم.
فليساعد اللبناني الذي عانى والذي لم يكن حتى يريد هذه الحرب، ووجد نفسه مشرداً أو جريحاً أو مصاباً في داخل منزله. نتمنى المساعدة من الجميع، فهذه اللحظة هي لحظة التضامن والتعاضد. وعلينا التفكير في كيفية تخفيف الآلام الكثيرة في بلدنا".
أم حسين: تركنا كل ما نملك حفاظاً على حياتنا ودماؤنا التي يتاجرون بها
تنهمر الدموع من عينيها تلقائياً ورغم ذلك تحاول اخفاءها قبل أن يلحظها أحفادها فتهتز في نظرهم صورة الجدة القوية المثابرة ويشعروا بالخوف، بعدما اعتادوا على الشعور بالأمان جانبها. تركت الحاجة أم حسين تلك الجدّة السبعينية منزلها رغماً عنها، بالرغم من الاستهدافات التي أصبحت قريبة من منزلها ومن مزرعة المواشي مصدر رزقهم الوحيد فهذا رأسمالهم و شقاء عمرهم، فمن سيعوّض عليهم؟ تسأل أم حسين
نزحت أم حسين مع إبنها الأصغر، وزوجته، وأولاده الصغار من بلدة المجادل الجنوبية إلى "معهد بير حسن الفني" الذي فتح أبوابه لإستقبال النازحين الذين تجاوز عددهم الـ 40 ألف مهجّراً بحسب الإحصاءات الأخيرة التي نشرتها وحدة إدارة الكوارث
تقول أم حسين، لا مكان لديهم ليقصدوه، كلّ أقاربهم تهجروا إلى مناطق مختلفة، فكان المعهد الذي تحوّل ملجئاً للنازحين الخيار الأنسب، فهم لا يمتلكون المال الكافي لاستئجار شقة بعدما أصبحت الأسعار خيالية نتيجة تأزم الوضع
تشير الجدّة إلى إسوارة ذهبية في يدها اليمنى، وتقول "هذا كلّ ما لديّ"، وتضيف، "تركنا رزقنا، وكل ما نمتلك حفاظاً على حياتنا التي لا يسأل عليها أحد في سبيل المتاجرة بدماؤنا، يريد حزب الله أن يحوّل الجنوب إلى مقبرة تشبه غزّة
تشيح أم حسين بنظرها وتقول، "تبهدلنا، كنّا معززين في بيوتنا، الآن علينا أن ننتظر دورنا في الحمّامات المشتركة، وننتظر دورنا للحصول على علبة فول أو ربطة خبز نسدّ بها جوعنا، كلّ هذا من أجل من؟"
أخبار الآن أجرت لقاء مع الباحث اللبناني مكرم رباح الذي أوضح موقف حزب الله من استخدام المدنيين كدروع بشرية قائلا": "هناك عدة احتمالات، ولكن الاحتمال الأكثر قبولاً حسب معرفتنا بحزب الله، هو أن حزب الله لن يكترث لدماء الأبرياء، حتى لو كانت هذه الدماء تُراق من قبل الإسرائيليين. حزب الله يراهن على أن استخدام أهالي الجنوب وأهالي الضاحية واللبنانيين بشكل عام كدروع بشرية سيبرر قضيته ويجعله أداة للمقاومة".
وتابع: " المشكلة الأساسية هي أن ما قام به حزب الله عبر العقود الماضية قد فرغ الحزب وسلاحه من هدفه الأساسي، وهو حماية لبنان وقتال إسرائيل. ما يحصل الآن يؤكد وجود هوة كبيرة بين قاعدة حزب الله والحزب نفسه لأكثر من سبب. أولاً، حزب الله يدّعي بأنه قادر على حماية اللبنانيين، وخصوصاً الشيعة منهم، لكنه برهن أنه غير قادر على ذلك. بسبب الانفجارات، مثل انفجار 'البيجر' و'التوكي ووكي'، ظهر عدم قدرته على حماية مقاتليه".
وأوضح رباح أنّ الحرب تحتاج إلى دعم اقتصادي، وليس فقط إلى الأسلحة ويعتبر أن الحكومة الحالية فشلت في تنفيذ خطط الطوارئ لمواجهة الأزمات، مما يعكس عجزها عن التعامل مع تداعيات النزوح والتهجير.
"قال: “الفكرة الأساسية هنا هي أن القتال والحرب ليست فقط أسلحة ورصاص وذخيرة، بل هي أيضاً اقتصاد. فعلياً، في ظل ما يواجهه الشعب اللبناني بشكل عام وشيعة لبنان بشكل خاص، لا أعتقد أن هناك شبكة أمان كما كانت في عام 2006، وهو أمر لا يعترف به حزب الله. ففي ذلك الوقت، كانت هناك دولة وحكومة فؤاد السنيورة التي أمنت شبكة الأمان الاقتصادية والاجتماعية. نحن لا نطلب منهم أن يدمروا إسرائيل، لكن كان من الأفضل أن ينظموا حركة السير والنزوح والتهجير من الجنوب اللبناني إلى بيروت. وهذا أمر لم يقوموا به، ولا يمتلكون حتى القدرة أو المعرفة للقيام به على مستوى المواجهة الإنسانية والأخلاقية."
ويشير الرباج إلى استغلال إيران السياسي للدماء اللبنانية والفلسطينية، كما يوضح تأثير ذلك على علاقات لبنان مع دول الخليج قال: "برهنت إيران أنها لا تكترث للدماء العربية. ما يقوم به الرئيس الإيراني ونائبه جواد ظريف في الأمم المتحدة هو أنهم يحاولون البيع والشراء، ويعتقدون أن دماء اللبنانيين والفلسطينيين ما هي إلا سجادة يمكنهم بيعها وشراؤها في نيويورك. هذا يؤكد أن الإيراني، على عكس ما يدعيه بأنه صديق للعرب وللبنان وفلسطين، لا يكترث للعواقب البشرية أو الخسائر البشرية. وباختطاف القرار السياسي في لبنان، استطاعت إيران عزل لبنان عن بيئته العربية، وخاصة الخليجية. وهذا يعني أنه عند انتهاء الحرب والدمار، لن يكون هناك أي مبادرة لإعادة الإعمار كما كان الحال في عام 2006. هذه ليست مجرد خلافات سياسية مع دول الخليج، بل هناك أولويات مختلفة في المنطقة. تلك الدول الخليجية انتقلت إلى مرحلة جديدة من تنمية اقتصادها ونظامها السياسي، وهي لا ترى أن الاستثمار في بلد يشكل منصة لإطلاق صواريخ حزب الله هو خيار صائب، وأنا أوافقهم الرأي."
يشرح رباح حول الفساد الداخلي في حزب الله ويشير إلى تدهور الثقة بين القيادة والمقاتلين، مسلطاً الضوء على التناقض بين نشاط الحزب في سوريا وبين تقاعسه في الدفاع عن لبنان
"الصحافة ركزت في أغلب الأحيان على أن انفجار 'البيجر' كان عملاً عسكرياً واستخباراتياً، لكنني أعتقد أنها حرب نفسية. تلك الثقة التي كانت قائمة بين القيادة والقاعدة، والمتمثلة في قدرة القيادة على تأمين المعدات والغطاء اللازم للقتال، لم تعد موجودة. لن يضغط أي مقاتل من حزب الله على الزناد دون أن يفكر: هل ستنفجر قطعة السلاح في يدي؟ هذا لا يقتصر فقط على أن حزب الله خسر المواجهة الاستخباراتية، بل أؤكد لك أن مسألة 'البيجر' مرتبطة بفساد داخل بيئة الحزب. القيادات تجني المال والمراتب على حساب دماء المقاتلين ودماء الشيعة تحديداً. وما حصل في انفجار 'البيجر' هو استمرار طبيعي لما حدث مع اللبنانيين، سواء في تفجير المرفأ، سواء كان هذا التفجير نتيجة تقصير أو عمل عسكري. الأحداث الأخيرة برهنت أن حزب الله متخصص في قتل الشعبين اللبناني والسوري وليس في قتال إسرائيل. والدليل على ذلك هو صور المقاتلين الذين كانوا يستعرضون عضلاتهم في سوريا، بينما لا نرى أي صورة لهم في الجنوب اللبناني أو حتى في البقاع. من إبراهيم عقيل إلى فؤاد شكر، كلهم قيادات في كتيبة الرضوان الذين احترفوا القتل والقتال في سوريا وليس في الجنوب اللبناني.
المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في المعادلة الإقليمية والجيوسياسية الكبرى.
أخبار الآن تواصلت مع الخبير العسكري الياس حنا الذي أوضح تفاصيل المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في المعادلة الإقليمية والجيوسياسية الكبرى.
"الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية قالت إنها في مرحلة جديدة، هي شرعنت هذا العمل، يعني الانتقال من جبهة غزة إلى تحييد غزة وإبعادها عن التركيز. ذهب نتنياهو إلى الحكومة وستصدر أمراً يقول إن عودة النازحين هو أمر وهدف عسكري. هذا الأمر يحتم أن يُحضَّر القرار السياسي الإعلامي، وبالتالي تأمين الوسائل، بالإضافة إلى فرقة جديدة، وهي الفرقة 98، وهي فرقة خاصة من المظليين وفيها لواء خاص مهم جدًا. هي في منطقة الشمال. اليوم، العامل الأساسي هو إضعاف حزب الله، وهذا الأمر بدأنا نرى أن هناك استراتيجية كبيرة لها أبعاد وأعمدة أساسية يرتكز عليها جيش الاحتلال:
واحد: اغتيال القيادات بدأ بعد حادثة مجدل شمس، ثم اغتيال رئيس الأركان فؤاد شكر.
اثنين: حادثة التفجيرات لإضعاف حزب الله وبيئته وبنيته. لم يستهدف فقط المدنيين، بل أيضاً مقاتلي حزب الله الذين يُعتبرون كأنهم الاحتياط للحزب. من هنا، تم تزويدهم بأجهزة "البيجر" لاستدعائهم عند الحاجة. كذلك، استهدف الجيش البعد الطبي لحزب الله. إذن، هذا الأمر هو عملية تفريغ لحزب الله وضرب الخلفية البشرية والاستراتيجية له
ثلاثة: استهداف قوة الرضوان، مثل إبراهيم عقيل وكثير من القيادات، وكأنه استباق. لماذا؟ لأن رئيس الأركان ودانيال هاجاري قالا إن هذه القوة (الرضوان) هي الوحيدة المعنية بالمهام الهجومية. وكأنهم قالوا إن هذه الفرقة كانت تُحضِّر للهجوم على الجليل الأعلى. إذن هو استباق هذا الأمر".
"اليوم، في العقل الإسرائيلي والغربي، كل عملية مهمة عبر تاريخ الصراعات في الحروب في القرنين العشرين والحادي والعشرين تقول إن هذا الجيش يستعمل أقوى ما يملك، وهو سلاح الطيران. هناك ما يسمى بالعملية أو الاستراتيجية "بومباردمنت" (القصف الاستراتيجي) الذي يرتكز على استهداف المراكز البشرية، الصناعية، وحتى مخازن الذخيرة. اليوم، هذه العملية جديدة ومستمرّة. القصف مستمر، وسرعته وتواتره أصبحا شديدين جدا".
أنا أعتقد أن هناك سباقًا بين جيش الاحتلال وعامل الطقس. لا أحد يتحدث عن عامل الطقس. طقس لبنان في هذه الفترة بدأ الشتاء. الطقس لا يعطي أفضلية لجيش الاحتلال، خاصة سلاح الجو. الجيش مجهز، لكنه لا يمكنه التغلب بسهولة على عوامل الطقس. عندما تكون هناك كثافة من الغيوم، وهذا أمر مهم لأن جبهة لبنان تحتوي على جبال ووديان، مما يعيق الرؤية والاستطلاع، ولا تكون الأمور دقيقة كما في غزة، التي تعتبر سهلًا على الشاطئ ويسهل الاستطلاع فيها.
اليوم، العملية هي عملية إضعاف حزب الله. قد نذهب في المرحلة القادمة، أو قد يكون ذلك من خلال المؤشرات. العقل الإسرائيلي العسكري يتبع المؤشرات ويراقب ماذا يمكن أن يحدث. اليوم، نتحدث عن الخط الأزرق حتى النبطية. القصف عنيف جدًا، والتدمير واسع، مع نشر معلومات لسكان المناطق حول ضرورة إخلائها، لأن بعض المنازل تحتوي على أسلحة لحزب الله، مما يعني أن الهدف هو التدمير الكامل، وفرض ثمن كبير.
نحن نتحدث عن كامل جنوب لبنان في هذه الغارات. سنشاهد في الخرائط أن هذه المنطقة هي جنوب الليطاني. جيش الاحتلال تحدث عن حوالي 300 هدف في هذه المناطق، وكانت ممتدة من الغرب إلى الشرق. نلاحظ تقسيمات المناطق إلى القاطع الشرقي، الوسط، والغربي. في السابق، حددت قوات الاحتلال الإسرائيلية أن الهدف العسكري هو إعادة سكان الشمال.
الاستهدافات كانت في المناطق الشمالية. معظم صفارات الإنذار كانت تُفعَّل في تلك المناطق، بالقرب من صفد، حيث تم استهدافها بحوالي 35 صاروخًا من قبل حزب الله. القبة الحديدية كانت تعترض هذه الصواريخ، مع سقوط بقاياها في مناطق مفتوحة حسب جيش الاحتلال. حزب الله ذكر أيضًا استهداف مجمع رفائيل للصناعات العسكرية في هذه المنطقة باستخدام صواريخ قوسية مثل "الفادي 1" و"الفادي 2".
نتحدث عن تصعيد وموجات من الطيران بشكل متسارع. الجيش الإسرائيلي يقول إنه يستهدف مخازن وأسلحة لحزب الله في كامل جنوب لبنان، وخاصة في منطقة جنوب الليطاني. حزب الله يستمر في استهداف المواقع باستخدام سلاح الطيران وضرب المواقع. التضاريس في جنوب لبنان تساعد حزب الله في نقاط الارتكاز الدفاعية. الجيش الإسرائيلي نقل الفرقة 98 إلى الجبهة الشمالية، كما أضاف اللواء السابع المدرع، الذي أنهى تدريباته مؤخراً
عندما نتحدث عن الضاحية، فهي مركز صقل مهم جداً، لأن القيادات كلها متواجدة في هذه المنطقة، تدار العمليات من هنا. والدليل على ذلك هو استهداف جيش الاحتلال دائماً القيادات من حزب الله في هذه المنطقة
أما منطقة الجنوب، نجد أن هذه المنطقة قد زادت قيمتها، لأنها على تماس مباشر مع إسرائيل، فهي الخط الأمامي أو الدفاع المتقدم ضد إسرائيل، لأنها تحتوي على الصواريخ ذات القيمة التكتيكية ، وحسب الموقع والاستهداف، تحدد المعركة المستقبلية. من هنا، يسعى جيش الاحتلال دائماً إلى تفريغ حزب الله بالمعنى المصداقي، بمعنى القيادات. وقد استُهدِف في منطقة الجنوب العديد من قيادات العملية، على مستوى قائد لواء أو قائد كتيبة، وليس بالضرورة أن يكون هناك لواء أو كتيبة في حزب الله.
إذن، إنها تسعى إلى تفريغ القيادة، بمعنى أنه إذا استُهدِفت القيادة العليا من الصف الأول، من سيستلم زمام المبادرة بين الجيل الأول والجيل الذي يقاتل فعلاً. هناك فوارق في الخبرة والتجربة والعمر، وفي العلاقة بين بعضهم. حتى الآن، لم يخسر حزب الله، وحتى الآن لم تربح إسرائيل، قبل أن تشتعل المنطقة في حرب أوسع إقليمياً
ولكن يجب أن يكون هناك نقاط تحول أساسية. على سبيل المثال، كانت مجد الشمس نقطة تحول في مقاربة نتنياهو للحرب، عندما ذهب إلى اغتيال القيادة فؤاد شكر. هناك أمران قد يكونان مهمين في تغيير أو نقطة تحول: الأول، أن يحدث حدث كبير داخل إسرائيل يكون ضحاياه مدنيين وما شابه، وبالتالي يضطر إلى الذهاب إلى حرب أوسع في المنطقة