التجويع الممنهج.. كيف تقوم ميليشيات الحوثي بسرقة طعام اليمنيين؟
أخبار الآن | القاهرة - 8 يناير 2024
على مدى الأشهر الماضية عمدت جماعة الحوثي على استهداف الملاحة التجارية في البحر الأحمر تحت مبرر الضغط على اسرائيل لفك الحصار عن غزة، التي تشهد حربًا ضارية بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، منذ يوم 7 أكتوبر من العام الماضي.
في مطلع شهر نوفمبر الماضي، صرح الناطق العسكري التابع لجماعة الحوثي في اليمن، بأنهم سيستهدفوا السفن التجارية التي تتوجه إلى إسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها، ما لم تدخل إلى غزة ما يكفيها من المساعدات والغذاء والدواء، بينما تقوم الجماعة ذاتها بنهب وسرقة المساعدات الأممية التي تأتي إلى اليمن، وتقوم بتجويع ملايين اليمنيين، حيث أثار تصريح الحوثيين ذلك موجة من السخرية والسخط الشعبي على مواقع التواصل لازدواجية معايير المليشيات الإيرانية بشكل عام.
ادي استهداف الحوثيين للسفن في البحر الاحمر إلى ارتفاع تكلفة التأمين على النقل للموانئ اليمنية بنسبة 250% والذي بدوره أدى إلى ارتفاع كبير لأسعار المواد الغذائية الاساسية في اليمن، وليس على الموانئ اليمنية فحسب، فقد ارتفعت ايضًا تكلفة التأمين للنقل البحري إلى جميع الموانئ المشاطئة للبحر الأحمر في كل من مصر والسودان وارتيريا وكذلك المملكة العربية السعودية، بنسبة 200%وهو ما يؤكده عبدالملك الحداد - مدير شركة الفا لخدمات الشحن والتصدير، والذي يقوم بنشر أسعار الشحن للموانئ على البحر الأحمر باستمرار على حسابه على تطبيق X.
صناعة الجوع
في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر، أعلن برنامج الغذاء العالمي إيقاف عمله في توزيع المساعدات الغذائية في مناطق سيطرة جماعة الحوثي شمال اليمن، وبحسب البرنامج يأتي ذلك القرار بعد عام من المفاوضات مع قيادة الجماعة، إلا أن هذه المفاوضات لم تنجح، حيث طلب البرنامج إيصال المواد الغذائية للأسر الأشد فقرًا، إلا أن الجماعة رفضت ذلك.
خلال سنوات الحرب تضرر الوضع الإقتصادي للأسر اليمنية بشكل كبير، خصوصًا قطاع الموظفين المدنيين، الذين تتنصل جماعة الحوثي من صرف رواتبهم منذ 7 سنوات، وكذلك تمنع الجماعة الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا من صرف المرتبات، وذلك بالتوازي مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بسبب الجبايات والضرائب التي تفرضها الجماعة على التجار.
ومنذ إندلاع الحرب في اليمن، عملت منظمات الإغاثة العالمية على توزيع المساعدات لأكثر من 4 مليون شخص تضرروا من الحرب، في ظل تزايد تلك الإعداد بشكل كبير حتى وصلت في العام 2023 إلى 9.5 مليون شخص بحسب منظمة الأمم المتحدة، والذين أصبحوا يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الدولية، إلا أن جماعة الحوثي بدأت في الضغط على المنظمات تلك وفرض قوائم اسماء لشخصيات غير محتاجه، وهو ما أوضحه تقرير صادر في 2021 عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان المحسوبة على الجماعة.
ففي مطلع العام 2018 شكلت جماعة الحوثي ما يُسمي بـ (مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية)، والذي فوضته بعمل دور الرقابة على المنظمات الإنسانية والإغاثية في مناطق سيطرتها، ويتحكم بكل ما تقوم به تلك المنظمات، حيث هو من يحدد أعمال المنظمات المنضوية تحت راية الأمم المتحدة، ويشرف عليه حاليًا إبراهيم الحملي المُكني بـ "أبو يحيى المطري" أحد القيادات العسكرية للجماعة، ومن ذلك الحين أصبحت للمليشيات سطوة على المنظمات الدولية وتتحكم بجميع أعمالها في مناطق سيطرة الجماعة، وتمارس ضغوط عليها تتمثل بمنع التوزيع وحجز المساعدات في مخازنها حتى تلفها ومن ثم تستدعي الإعلام للترويج بأن المنظمات توزع مساعدات منتهية الصلاحية وتالفه، وذلك بهدف الإبتزاز.
سلاح الإبتزاز
يقول إسماعيل (اسم مستعار) - أحد العاملين في منظمة الإغاثة الإسلامية لـ أخبار الآن، "يقدم لنا الحوثيين قوائم تشمل أسماء أشخاص ليسوا في قوائم المحتاجين للمساعدات، ويطلبون استبعاد مواطنين آخرين من قواعد البيانات، وعندما نرفض القيام بذلك يقومون باحتجاز المساعدات ومنع الموظفين من القيام بعملية التوزيع أو تفقد المواد الغذائية في المخازن، وتتركها حتى تنتهي أو تفسد بسبب عوامل الطقس والأمطار والرطوبة، ومن ثم يتم عرضها للإعلام وحرقها، بهدف ابتزاز المنظمات إعلاميًا، وإجبارها على الخضوع لشروطهم".
ويضيف أسماعيل "ومن المؤسف أن تقوم بعض المنظمات بالرضوخ لتلك الابتزازات، وذلك بسبب تكاليف التخزين، وعلى أمل أن يصل الجزء المتبقي من تلك المساعدات إلى المواطنين الأكثر إحتياجًا".
مساعدات تالفه بعد أن تم إحتجازها من قبل الحوثيين
مساعدات تالفه بعد أن تم إحتجازها من قبل الحوثيين
اتلاف مساعدات بعد أن فسدت في مخازن الحوثيين
اتلاف مساعدات بعد أن فسدت في مخازن الحوثيين
وبسبب الضغوط تلك تنازلت الوكالات الأممية ومنظمات الإغاثة عن مبادئها الأساسية، وذلك بهدف تسهيل وصول المساعدات إلى الفئات المحتاجة، ولكن هذه التنازلات أدت في نهاية المطاف إلى توفير مصادر دخل للحوثيين، مما زاد من إمكانية مواصلتهم لسياسات تضمن استخدام التجويع كوسيلة للتحكم في المواطنين، وتجنيد الأطفال في القتال، واستقطاب المواطنين للقتال في صفوفها مقابل توفير مواد غذائية لأسرهم.
سرقة المساعدات
وفقًا لـ جلال محمد (اسم مستعار) - موظف سابق لبرنامج الغذاء العالمي في صنعاء ، فإن سلطات الحوثيين تمارس سيطرتها بشكل فعال على عمليات تخزين ونقل المساعدات الإنسانية في المناطق الشمالية، ويقول لـ أخبار الآن "تفرض الجماعة تعليماتها على جميع المنظمات الدولية، بما في ذلك مواعيد وأماكن التوزيع، وترغمنا على اعتماد قوائم بأسماء لجنودها وأسماء ليست محتاجه للمساعدات".
ويُضيف قائلا" "كذلك تقوم الجماعة بأخذ نسبة تصل إلى 40% من المساعدات، وبيعها في الأسواق، وقد حققنا في ذلك ووجدنا أن هناك مواد خاصة بالمساعدات أخذتها الجماعة، يتم إعادة تعبئتها من جديد وبيعها في المحلات التجارية لصالح قيادات في الجماعة".
وقد حصل فريق أخبار الآن على صور حصرية، تبين مئات العبوات الفارغة الخاصة بالمساعدات الإغاثية لبرنامج الغذاء العالمي، في إحدى مكبات النفايات في صنعاء، قبل أن تتنبه لها المليشيا وتقوم بإرسال سيارة نفايات لجمع العبوات الفارغة وإخفائها بعد ذلك بساعات..
مساعدات مسروقة
عبوات زيت تابعة لبرنامج الغذاء العالمي تم تفريغها لعبوات أخرى وبيعها في الاسوق من قبل نافذين في مليشيات الحوثي
تم رمي العبوات في مكب للنفايا قبل ان يتم جمعها بطريقة غريبة وإخفائها
خلال الفترة الأخيرة، طالب جماعة الحوثي المنظمات الدولية بتغيير المساعدات الإغاثية في اليمن، من المساعدات العينية إلى المساعدات المالية، إلا أن المنظمات ترفض ذلك، وقد صرح بذلك طلعت الشرجبي - الناطق الإعلامي لما يُسمي بالمجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية، في سؤال عن بيع المواد الغذائية المُقدمة من المنظمات الإغاثية.
وقال لـ أخبار الآن "نحن في المجلس لدينا رؤية نعتبرها حل مناسب لهذه المشكلة تتمثل في تحويل المساعدات العينية ومنها السلل الغذائية الى مساعدات نقدية ونعمل على هذا المشروع مع شركاء العمل الإنساني وفي مقدمتهم برنامج الغذاء العالمي وهناك مشروع حاليا لازال في نطاق المرحلة التجريبية في ثلاث مديريات في أمانة العاصمة وسيتم ونتمنى ان يتم اطلاقه على النطاق الواسع بعد انتهاء المرحلة التجريبية"
وبحسب محمد، فأن برنامج الغذاء العالمي قد تلقى هذه الخطة من الجماعة، إلا أنه رفض ذلك بشكل قاطع، خصوصًا بعد أن قام الحوثيين بالاستيلاء على المساعدات المالية التي كانت تقدمها اليونسيف للمعلمين في اليمن، والتي توقفت في أواخر 2021، بعد ما تسلمت الجماعة الأموال ووعدت بصرفها للمعلمين كنصف راتب شهريًا، إلا آن شيئًا من ذلك لم يحدث.
في السياق ذاته كان القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي قد أعلن في وقت سابق من عام 2020، توزيع مبالغ مالية على المستفيدين من قبل برنامج الغذاء العالمي، بدلاً من المواد الغذائية، إلا أن ذلك لم يحدث، وكانت تغريدة القيادي الحوثي هي إبتزاز للبرنامج
"الطعام يؤخذ من أفواه الأطفال الجوعى"
وبحسب المبعوث الأممي السابق لليمن مارتن غريفثس في بيان صحفي "بينما تصل المساعدات إلى كل من يحتاجها في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المُترف بها دوليًا، ، فأن الحوثيين يعملوا على تجويع المدنيين في مناطق سيطرتهم، و يعرقلون وصول المساعدات إلى مستحقيها"
وفي السابع عشر من يونيو 2019، قال ديفيد بيزلي - المدير التنفيذي برنامج الغذاء العالمي في كلمته أمام مجلس الأمن، أن البرنامج يواجه صعوبات في اليمن في إيصال المساعدات لمُستحقيها، في إشارة إلى الى التعنت التي تمارسه جماعة الحوثي في تنفيذ عمل البرنامج، مضيفًا "المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة يتم تحويل مسارها في المناطق التي تسيطر عليها جماعة "أنصار الله" على حساب الأطفال والنساء والرجال الذين يعانون الجوع، و باعتباري مدير برنامج الأغذية العالمي لا أستطيع أن أُجْزِم لكم أن كافة المساعدات تصل إلى أولئك الذين هم في أقصى حاجة إليها، لأننا غير مسموح لنا أن نعمل باستقلالية، ولأن المساعدة يتم تحويل مسارها من أجل الربح أو لأغراض أخرى، وختم كلمته بالقول ":الطعام يؤخذ من أفواه الأطفال الجوعى من الأولاد والبنات الذين يحتاجون إليه حتى يظلوا على قيد الحياة".
إلا أن المجلس الاعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للحوثيين عقد مؤتمرًا صحفيًا في اليوم التالي، يستنكر ما قاله بيزلي أمام مجلس الأمن، مُتمهمة برنامج الغذاء العالمي بالفساد وتبديد الأموال، وتوزيع مساعدات مُنتهية الصلاحية، ودعت المانحين للتحقيق في إهدار الأموال من قبل برنامج الغذاء العالمي، إلا أنها في الواقع رفضت ذلك، ومنعت فريق تابع للأمم المتحدة في التحقيق بحسب مصدر في مكتب الأمم المتحدة في اليمن، رفض ذكر اسمه وصفته.
منذ اندلاع النزاع في اليمن عام 2015، يعاني الملايين من اليمنيين جراء الحرب التي أشعلتها جماعة الحوثي المدعومة من إيران بعد انقلابها على الحكومة وسيطرتها على المدن اليمنية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تعتبر الحرب في اليمن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم. يبلغ عدد المحتاجين إلى المساعدة الغذائية الطارئة أكثر من 15 مليون شخص، ويتجاوز عدد النازحين اليمنيين 4.5 مليون حتى الآن.