جهاد طروادة: عملاء أفغان وباكستانيين في خلايا الإرهاب الإيراني بالخارج
أخبار الآن | القاهرة - 17 يناير 2024
منذ منتصف ابريل 2023 وحتى اللحظة، يخضع أشخاص يحملون الجنسية الباكستانية للمحاكمة في اليونان بعد أن تمت إدانتهم بالتخطيط لتنفيذ عملية إرهابية تستهدف مواطنين يهود لصالح النظام الإيراني.
في مساء 23 من مارس 2023، تلقي قوات المخابرات والشرطة اليونانية القبض على خلية ارهابية من أجانب كانت تخطط للهجوم على مطعم يهودي في العاصمة أثينا، وبعد التحقيق مع أعضاء الخلية صرحت السلطات اليونانية بأن الإرهابيين الذين تم القبض عليهم كانوا شخصين من الجنسية الباكستانية ضمن خلية تُدار من طهران.
يقول كوستاس نوسيس - الصحفي اليوناني الذي عمل على تغطية عملية اعتقال ومحاكمة المُتهمين الباكستانيين لـ أخبار الآن بأن الشرطة اليونانية ألقت القبض على المُتهمين بعد أن تمت مراقبة اتصالاتهم، فقد "التقطتهم كاميرات المراقبة أثناء تصويرهم للمطعم الذي كان يؤدي فيه المواطنين اليهود طقوس دينية، وبعد التحقيق معهم أثبت تواصلهم مع العقل المدبر للعملية والذي كان في إيران، وبحسب نوسيس فإن القضية لازالت في المحكمة حتى الآن".
الشرطة اليونانية ألقت القبض على المُتهمين بعد أن تمت مراقبة اتصالاتهم، وبعد التحقيق معهم أثبت تواصلهم مع العقل المدبر للعملية والذي كان في إيران
خلال الأعوام الأخيرة بدأت حدة الانتقادات الداخلية لسياسات النظام الإيراني، كان أخرها تفجير ثورة شعبية أواخر العام المنصرم، بسبب القمع والتجويع والإنهيار الإقتصادي في إيران، إلا أن النظام الإيراني يرى ذلك مؤامرة خارجية، حيث شرع النظام لتأسيس فرق عسكرية ومخابراتية من الحرس الثوري الإيراني مهمتها نقل المعركة من داخل الحدود الجغرافية لإيران إلى خارجها، وذلك بعمليات اغتيالات لخصوم إيران في الخارج، تحديدًا في الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، مستخدمة بذلك أشخاص من جنسيات آسيوية تحديدًا من المذاهب السنية، بعضهم من الذين كانوا جهاديين سابقين في تنظيم القاعدة.
تصدير الإهاب
على مدى عقود منذ أن استقر النظام الإيراني وسيطر على البلاد بعد الانقلاب على نظام الشاه في 7 يناير 1978، عمدت إيران إلى تصدير ثورتها إلى العالم، جندت لأجل ذلك الآلاف من الأجانب، مستثمرة عائدات الثروات النفطية، فكانت البلدان الاسيوية هي المُصدر الأول للمتطرفين الذين استغلت إيران ظروفهم المادية وفكرهم الجهادي لتجنيدهم للعمل لصالحها، تحديدًا بعد أن انهار تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان أبان تدخل التحالف الدولى بعد أحداث 11 سبتمبر، فكانت طهران هي الملاذ الآمن لهم، بدليل تواجد قيادات التنظيم فيها حاليًا.
تعمل أجهزة المخابرات والأمن الإيرانية تعتمد إلى حد كبير على الوكلاء لتنفيذ خططها، حيث تعرض مئات الآلاف من الدولارات على اللصوص وتجار المخدرات وغيرهم من المجرمين في مخططات القتل مقابل أجر، كما اثبتت الشرطة اليونانية، والتي أكدت أن الذين قبض عليهم في التخطيط لعملية ارهابية ضد مواطنين يهود في اليونان، كان هدفهم هو المال
مع اندلاع الحرب السورية في مطلع العام 2012، سارعت إيران إلى ارسال نحو 15 ألف من قوات من الحرس الثوري الإيراني إلى دمشق لمساندة النظام السوري، إلا أنها لم تكن القوة الوحيدة التي ارسلتها طهران إلى سوريا، حيث وصل مقاتلين من أفغانستان وباكستان كانوا قد تلقوا تدريباتهم في طهران، وبحسب تقرير لـ هيومن رايتس ووتش، فهناك أطفال أفغان كانوا من ضمن تلك القوات.
بكتاش أحمد - مقاتل أفغاني أرسلته ايران للقتال في سوريا، سافر مع شقيقه في عام 2012 إلى إيران ضمن حملة الاستقطابات التي كانت تقوم بها فرق تابعة للنظام الإيراني في شيراز للتدريب على القتال، وفي عام 2015 ارسل إلى دمشق ضمن فوج، بعد أن هُدد بالترحيل إلى أفغانستان، فقد قامت السلطات الإيرانية باحتجاز شقيقه، ولم يعرف عنه أي معلومات على مدى 6 أشهر، حتى وصله نبأ وفاته في تدمر ضمن لواء فاطميون.
لواء فاطميون هو مجموعة شبه عسكرية تتكون من مقاتلين أفغان يقاتلون إلى جانب القوات الحكومية السورية، تأسس اللواء في عام 2014، بدعم مالي وعسكري من إيران، ويقدر عدد مقاتلي اللواء بحوالي 20 ألف مقاتل، ينتشرون في عدة مناطق في سوريا، وقد لعب اللواء دورًا مهمًا في دعم نظام الأسد في الحرب ضد المعارضة السورية، بما في ذلك معركة حلب وتدمر، وثبت بأن إيران دعمت زعماء الهزارة ذات الاغلبية الشيعية، والتي بدورها جندت نحو 50 الف مقاتل أفغاني لصالح إيران خلال الخمسة السنوات الأخيرة وارسلتهم إلى إيران للتدريب ولا يعرف مصيرهم حتى الآن.
تسمح قوانين أفغانستان بالخدمة العسكرية لمواطني البلاد فقط في إطار السيادة الوطنية وتحت علم البلاد فقط، وتمنع التشريعات الافغانية على مواطنيها المشاركة في حروب بالوكالة، وما يحدث من تجنيد ايران لمهاجرين أفغان للقتال من أجلها هو انتهاك للقانون الدولي واتفاقيات المهاجرين، وتعليقًا على ذلك تقول ملالي شينواري - مستشار الشؤون الإجتماعية للرئيس الأفغاني الأسبق "إن الإيرانيين يسيئون استخدام المشاكل الاقتصادية للأفغان، إنهم يسيئون استخدام المشاكل التي يواجهونها في بلادهم من أجل مصالحهم الخاصة ".
تقول الصحفية الأفغانية ميترا مجيدي لـ أخبار الآن أنه منذ أن سيطرت طالبان على الحكم في أفغانستان عام 2021 تم منع الحديث عن اوضاع المهاجرين الأفغان في إيران من قبل الجماعة، بالرغم من الإنتهاكات التي تحدث معهم هناك.
تهريب الإرهاب إلى اليمن
بحسب عبدالله.م (فضل عدم ذكر اسمه الكامل)- ضابط في خفر السواحل في الحكومة اليمنية، فقد تم إعتقال أكثر من 15 شخص من الجنسيتين الباكستانية والافغانية خلال عام 2023، كانوا يقوموا بتهريب الأسلحة والمخدرات إلى اليمن قادمين من إيران، مع معتقلين آخرين من الجنسية الإيرانية، ويضيف لـ أخبار الآن "وصلتنا معلومات حول دخول أفراد من جنسيات آسيوية إلى اليمن خلال الشهر الجاري وإنضمامهم مع الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة، وقد ابلغنا بذلك لوزارة الداخلية ويجري حاليًا تتبعهم".
منذ 1998 يحارب النظام الإيراني حركة طالبان، فقد كان يصفهم علي خامنئي بالمرتزقة المتعصبين حتى العام 2015، إلا أنه خلال العشرة الاعوام الماضية بدأ النظام الإيراني في تغيير لهجة و خفف حدة الإنتقاد ضد طالبان، فالبرغم من تجنيد مليشيات مسلحة من الشيعة الأفغان، إلا أن ايران جندت ايضًا مقاتلين من حركة طالبان والتي تعتبر حركة سنية، وهذا هو ما اصبح معرف مؤخرًا بـ "جهاد طروادة".
يرى فرزين نديمي - المُحلل المتخصص في الشؤون الأمنية الإيرانية بمعهد واشنطن للدراسات، أن تحالف ايران واستقطاب أفراد من تنظيم القاعدة وطالبان هو لأبعاد مختلفة، اولاً إبعاد خطر هذه الجماعات، بالقول بأن عدوهم مشترك وهو محاربة أمريكا كما يزعمون، "أي إبقاء الجماعات الأكثر تطرفاً بعيدة عن إيران على سبيل المثال تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية أوثق مع أولئك الذين يحكمون أفغانستان؛ ثانيًا فأن تلك العلاقات ستمكن إيران من الوصول إلى مناطق ذات أغلبية شيعية بعيدة مثل جيلجيت بالتستان، وهي جزء استراتيجي من كشمير". والتي من المتوقع أن تقوم إيران بدعمها وتسليحها للإستفادة منها لاحقًا بما يخدم مصالح النظام الإيراني، كما حدث مع الجماعات الشيعية في العراق ولبنان بالإضافة إلى جماعة الحوثي في اليمن
عمليات بالخارج بأيدي خارجية
وفي اواخر يونيو المنصرم، قالت السلطات الأمنية في قبرص أنها اعتقلت خلية تخريبية، كانت تهدف إلى تنفيذ عمليات اغتيال لسياح ورجال أعمال إسرائيليين في قبرص، وقالت صحيفة فيلينوز القبرصية أن تلك الخلية مكونة من 5 أشخاص معظمهم يحملون الجنسية الباكستانية، وبحسب السلطات في قبرص، فقد أثبت أن الخلية تتبع إيران، وحذرت إيران أنها لا تتسامح مطلقًا مع مثل هذه والأعمال الإرهابية، وأنها لا تريد التورط في صراعات إقليميه بحسب الصحيفة.
وفي 15 من نوفمبر 2022، أعلن جهاز أمن الدولة في جورجيا عن القبض عن أشخاص يحملون الجنسية الباكستانية والإيرانية وآخر يحمل جنسية ايرانية مزدوجة، بعد محاولتهم في اغتيال إيتسيك موشيه وهو مواطن اسرائيلي يُقيم في العاصمة تبليسي، وبحسب ديفيد كوتاتيلادزه نائب رئيس إدارة جهاز أمن الدولة في جورجيا، فقد عُثر مع المتهم الباكستاني على أسلحة كان من المزمع تنفيذ عملية الإغتيال بها، بالإضافة إلى وصور ومخططات لتحركات موشيه.
وبحسب معلومات نشرتها إسرائيل تبين هوية موشيه، وهو رجل الأعمال البارز ورئيس غرفة الأعمال الإسرائيلية الجورجية، بالإضافة إلى أنه رئيس البيت الإسرائيلي، وهي المنظمة التي تركز على الدبلوماسية العامة لإسرائيل في أوروبا الشرقية، حاولنا في أخبار الآن التواصل مع موشيه للحديث حول الحادثة إلا أننا لم نتمكن من ذلك.
وقال كوتاتيلادزه " أن المواطن الباكستاني قد قدم من دولة ثالثة، بفيزا دراسية إلى جورجيا، وتم تأمين السكن له من قبل أشخاص يحملون الجنسية الايرانية الجورجية، وكذلك وفروا له الوسائل التقنية للتخفي من المراقبة بالإضافة إلى الأماكن الآمنة والأسلحة"، وصرح لأخبار الآن بأسماء الخلية التي كانت ستنفذ عملية الإغتيال وهم (حسين رحبان، و محمد رضا عربلو، و محسن رفيعي مياندشتي، و فرهاد پاشايي، وعلي فيزي بور)، وكانت هذه الخلية تتبع بشكل مباشر للفرقة 400 من الحرس الثوري الإيراني، وهي الفرقة التي تختص بتنفيذ العمليات المخابراتية خارج الحدود الجغرافية لإيران
15 ديسمبر 2015، اغتال النظام الإيراني واحد من أهم المعارضين السياسيين الإيرانيين في هولندا، والذي كان مُقيم في أمستردام بهوية مزيفة تعمل أسم على معتمد، إلا أن التحقيقات للمخابرات الهولندية كشفت بأن اسمه الحقيقي هو محمد رضا كلاهي صمدي، والذي يواجه تهم في ايران بتفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في طهران عام 1981. وفي 7 من يوليو 2018، طردت السلطات الهولندية دبلوماسيين اثنين كانوا يعملوا في السفارة الايرانية في هولندا على خلفيته ارتباطهم بمنفذي عمليات تخريبية كما صرحت الداخلية الهولندية
من اليونان إلى قبرص وهولندا، تظهر العمليات التي نفذتها إيران في دول خارج حدودها الجغرافية، استطاعة النظام الإيراني على تهديد الأمن والسلم العالمي ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في اوروبا، سواء من خلال الحرس الثوري الإيراني مباشرًا أو بواسطة جماعات أيدلوجية، أو من خلال العصابات التي تعمل لأجل المال، ومن هنا تبرز هذه الأحداث أهمية التعاون الدولي في مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
استخدام إيران للمجموعات الوكيلة والشبكات الإجرامية في عملياتها الخارجية ليس بالأمر الجديد. الجديد هو محاولاتها المتهورة على نحو متزايد لاستخدام العناصر السنية لخوض حروب إيران. ومع عمل الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة، سيف العدل، تحت السيطرة الإيرانية، فإن هذا يبدو أشبه باستراتيجية أكثر من مجرد انتهازية تكتيكية: موجة جديدة كاملة من الإرهاب الدولي يمكن لإيران أن تخطط لها وتنفذها ثم تلوم الجماعات السنية المتطرفة عليها.
الأمر غير الواضح هو كم عدد المتطرفين السُنّة الذين قد يقبلون القتال تحت راية ثورة الخميني، وما هو الثمن الذي قد تدفعه إيران مقابل اللعب بالنار.