أي رواية تحكيها وسائل الإعلام التابعة للكرملين عن اليمن؟
إليكم نتائج تحقيقنا باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
أخبار الآن | دبي - 15 نوفمبر 2024
من خلال برمجة مودل ذكاء اصطناعي خاص لهذا التقرير، تم تحليل قاعدة بيانات ضخمة تضم 5000 خبر تتناول القضية اليمنية منذ 3 سنوات عبر عددًا كبيرًا من المنافذ الإعلامية الخاضعة لسيطرة الكرملين، كشف التحقيق الذي تنشره أخبار الآن، أن موسكو كانت تدفع بالروايات المؤيدة للحوثيين بكثافة متزايدة.
منذ إندلاع الحرب اليمنية أبان إنقلاب جماعة الحوثي على الشرعية الدستورية في أواخر 2014، التزمت الحكومة الروسية بدعمها للحكومة المعترف بها دوليًا في اليمن والتي لديها تمثيل دبلوماسي ورسمي متبادل بين البلدين، ولم تعترف بجماعة الحوثيين كطرف شرعي بالبلاد بالرغم من محاولة قيادة جماعة الحوثيين بإنشاء علاقات رسمية مع الإتحاد الروسي، ولكن لم تتاح لهم الفرصة كبقية الأطراف والجماعات المدعومة من إيران التي لها علاقات مباشرة مع روسيا، إلا أن هذا المسار تغير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
ما بين الموقف الرسمي والإعلامي
بالرغم من الإعتراف الروسي الدبلوماسي والرسمي بالحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا في اليمن، إلا أن الإعلام الروسي بدأ يتخذ مسارًا مخالفًا للمسار الرسمي الذي تتبناه الحكومة الروسية تجاه اليمن، حيث أصبحت وسائل الإعلام الروسية الموالية للكرملين بلغاتها المختلفة تتبنى السردية الحوثية، حيث يتم تقديمهم كطرف محلي مشروع، دون الإشارة إلى كونهم طرفًا غير معترف به رسميًا، هذا التوجه الإعلامي الروسي، الذي يأتي من قنوات مرتبطة مباشرة بالحكومة، يضفي طابعًا ضمنيًا من الدعم للحوثيين، ما يعكس تباينًا بين موقف روسيا الدبلوماسي الرسمي وممارساتها الإعلامية الموجهة.
من خلال تحليل عميق للمحتوى الإخباري والإعلامي الذي نشر على وسائل الإعلام الروسية خلال 4 سنوات، نلاحظ أن التغيرات في السياسة التحريرية والإعلامية بدأت تأخذ منحى آخر منذ عام 2022، بعد أن التزمت وسائل الإعلام الروسية الحياد خلال الفترة السابقة من سنوات الحرب اليمنية، حيث تم متابعة المحتوى الإعلامي على كل من وكالة تاس، وكالة ريا نوفوستي، وقناة روسيا 1، وقناة روسيا 24، بالإضافة إلى إذاعة صوت روسيا وصحيفة روسيسكايا غازيتا، وأيضًا صحيفة إزفيستيا، والتي تعتبر أبرز وسائل الإعلام التي تعكس التوجهات الإعلامية للدولة الروسية، وتستخدم للتأثير في الرأي العام داخل وخارج روسيا باللغات المختلفة.
تجدر الإشارة إلى أنه تم تدريب نموذج أو "مودل" ذكاء اصطناعي لإستخراج البيانات التي يعتمد عليها التقرير من المواقع الرسمية لوسائل الإعلام المشار إليها سابقًا، حيث اعتمد المودل على جمع المواد الإعلامية المختلفة (أخبار، تقارير، برامج حوارية، تقارير مصورة) من أرشيف الأخبار خلال السنوات الـ 4 الماضية، واتخذت المنهجية أرشفة جميع الأخبار التي ذكرت فيها كلمة اليمن بكل من اللغة العربية والانجليزية والروسية (اليمن، Yemen، Йемен)، ليم تحليلها ومطابقتها بالمعايير المهنية الإعلامية.
تعد وكالتا "تاس" و"ريا نوفوستي" من أبرز وسائل الإعلام الروسية الرسمية، وتتميز تغطيتها للملف اليمني بتقديم الأخبار حول الحوثيين بلهجة حيادية ظاهريًا، ولكنها تحمل ضمنيًا إشارات تدعم رواياتهم، على سبيل المثال، يتم عرض تصريحات قيادات الحوثيين حول العمليات العسكرية أو موقفهم من التحالف العربي وكأنها تمثل وجهة نظر مشروعة لطرف في النزاع، دون أن تبني تُصنفهم بشكل صريح كجماعة متمردة أو خارجة عن القانون والشرعية الدستورية، وتغطية الوكالتين تميل إلى التركيز على "الضرر الناجم عن التدخلات الأجنبية" في اليمن، ما يعزز الانطباع بأن الحوثيين يدافعون عن اليمنيين ضد قوى خارجية.
تتبنى قناتا "روسيا 1" و"روسيا 24" نهجًا أكثر مباشرة في دعم سرديات الحوثيين عبر برامج تحليلية وإخبارية تتناول الصراع اليمني من منظور "مقاومة التدخل الخارجي"، تُعرض جماعة الحوثي كطرف محلي يواجه "التحالفات الدولية التي تسببت في تدهور الأوضاع الإنسانية"، وتركز القناتان على سرديات تعكس ازدواجية واضحة في تناول الحوثيين؛ حيث يتم تصويرهم كجزء من "حركة المقاومة"، دون الاعتراف بهم رسميًا كطرف شرعي.
تعد "سبوتنيك" من أبرز المنصات الإخبارية الروسية التي تستهدف الجمهور الدولي عبر عدة لغات، بما في ذلك اللغة العربية، عند تناولها لموضوع الحوثيين، تستخدم سبوتنيك استراتيجيات تركز على الجوانب الإنسانية للنزاع وتبرز "الظلم الذي يعاني منه الشعب اليمني بسبب التدخل الأجنبي"، مما يضع الحوثيين في سياق مقاومة الاحتلال دون أن تعترف بهم كقوة سياسية كانت سبباً رئيسياً في معاناة اليمنيين.
على سبيل المثال، قد تقدم سبوتنيك تغطية عن الأوضاع في صنعاء، مع التركيز على انقطاع الخدمات الأساسية أو تدهور الأوضاع الصحية، مع ذكر تصريحات لمسؤولين حوثيين، حيث أن هذه التغطيات تبرز الحوثيين كحماة للشعب اليمني، وتنتقد التدخلات العسكرية الأجنبية بشكل ضمني، مما يجعلها أداة لنقل الرواية الحوثية إلى الجمهور العالمي، دون الحاجة إلى دعم صريح.
تميل الصحف الروسية، مثل "روسيسكايا غازيتا" و"إزفيستيا"، إلى تقديم محتوى أكثر تحليلية وتعمقًا، غالبًا ما يتناول الملف اليمني من منظور جيوسياسي يركز على "الصراع ضد الهيمنة الغربية" في الشرق الأوسط، وتطرح الصحيفتان الحوثيين كجزء من التحالفات المناوئة للسياسات الغربية، مما يضيف بعدًا استراتيجيًا للموضوع ويعزز من أهمية الحوثيين كحركة لها أهداف تتماشى مع الرؤية الروسية في المنطقة.
في المقالات التحليلية التي تنشر على الصحف حول الصراع في اليمن، يتم التركيز على التعاون بين إيران والحوثيين كـ تحالف في مواجهة النفوذ الأمريكي، مشيرة إلى أن الحوثيين يلعبون دورًا أساسيًا في "تحقيق توازن جديد للقوى" في المنطقة، أما روسيسكايا غازيتا، فتطرح نهج تحريري تتناول الأوضاع من منظور ضرورة إيجاد "حلول سلمية"، مما يعطي انطباعًا بأن الحوثيين طرف يسعى للحل السلمي.
"روسيا اليوم (RT)"، وهي إحدى القنوات الروسية التي تستهدف الجمهور العالمي بعدة لغات، تستخدم استراتيجيات إعلامية متنوعة لتعزيز السرد الحوثي، تميل RT إلى تقديم أخبار الحوثيين بشكل محايد، مع التركيز على نشر تصريحاتهم حول الوضع الداخلي و"مقاومتهم للعدوان"، هذا الأسلوب يجعل الحوثيين يظهرون كطرف يتمتع بالشرعية المحلية، وكأنهم يمثلون جزءًا أساسيًا من الشعب اليمني.
في تقاريرها، قد تعرض RT تغطيات حول الهجمات على السفن أو الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد مواقع عسكرية، يتم عرض هذه الأحداث في إطار "الصراع الإقليمي" و"التوترات الناتجة عن التدخلات العسكرية"، مما يضفي نوعًا من التعاطف مع الحوثيين، ويعطي سردية متوازنة، تساهم في نشر الموقف الحوثي بشكل واسع لدى جمهور عالمي خصوصًا أنها تمتلك منصات بلغات مختلفة.
بروباغندا مجانية للحوثي نكاية بالغرب
يقول عبدالملك اليوسفي - المحلل السياسي اليمني "بالنسبة حول دعم وسائل إعلام الروسية للسردية الحوثية وتقديم دعم اعلامي للحوثيين هذه المسألة من خلال الرصد والمتابعة للأعلام الروسي، الناطقة بالعربية كـ روسيا اليوم والقنوات الأخرى الروسية نجد أنها تقوم بذلك كنوع من التماهي الإعلامي مع حلفاء ايران في المنطقة، ومن بينهم الحوثيين وذلك من باب النكاية الإعلامية لأمريكا والغرب، وذلك تزايد بعد الحرب في أوكرانيا، إلا أن الموقف الدبلوماسي والرسمي للحكومة والنظام الروسي يتوهج الحياد في الملف اليمني، ويعترف بالحكومة الشرعية والمجلس الرئاسي اليمني، ويتعامل بناء على ذلك".
ويرى اليوسفي أن المصالح الجيوسياسية الروسية مع دول الخليج والمنطقة تجعل روسيا لا تنخرط مع جماعة إرهابية، كجماعة الحوثي، "ولكن الدعم الحالي أعتقد ليس أكثر من بروباغندا إعلامية، وأحيانا تكون هذه تتعلق بأداء العاملين على تلك وسائل الإعلام وارتباطهم بايديولوجيات مختلفة، وليس بالضرورة أن تكون تعبر عن الموقف الفعلي، لأن روسيا تسعى لعدم التورط في الصراع اليمني، وموقف الرئيس الروسي واضحًا في هذا، وحتى في الملف اليمني دائما ما تمتنع روسيا عن التصويت على اي قرار يخص اليمن، وتلزم الصمت"
وهو ما يتفق مع ما يقوله صموئيل راماني - أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، أن علاقة روسيا بالحوثيين علاقة انتهازية، حيث تستخدم روسيا الحوثيين كوسيلة لممارسة الضغط على الغرب ردًا على تصاعد التوترات بينهما. وتتجلى هذه الاستراتيجية في دعم روسيا الخطابي للحوثيين وتبريرها لهجماتهم، بينما تمتنع في الوقت نفسه عن تقديم المساعدة العسكرية العلنية التي قد تعرض علاقاتها مع المملكة العربية السعودية للخطر. وعلى العكس من ذلك، يستغل الحوثيون الخطاب الروسي المناهض للغرب لتعزيز موقفهم في الصراع اليمني. وبالتالي، يُنظر إلى هذه العلاقة على أنها مصلحة متبادلة محدودة بدلاً من تحالف استراتيجي قوي.
ظلت سياسة روسيا في التعامل الشامل مع اليمن ثابتة منذ بداية الحرب. ففي أبريل/نيسان 2015، كانت روسيا الدولة الوحيدة التي امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة رقم 2216، الذي فرض عقوبات على كبار مسؤولين الحوثيين والرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، وذلك لمساهمتهم في إنقلاب عسكري ادى إلى تقويض استقرار اليمن، كما احتفظت روسيا بموظفين دبلوماسيين في عدن وصنعاء حتى اغتيال الرئيس صالح في ديسمبر/كانون الأول 2017، ويمكن تفسير سياسة روسيا في عدم الانحياز الاستراتيجي في اليمن بفعالية من خلال المصالح المادية لموسكو في خليج عدن، وتطلعاتها إلى تعزيز القوة الناعمة في الشرق الأوسط، ورغبتها في تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة لشركائها الإقليميين.
تظهر التغطيات الإعلامية الروسية بشأن اليمن وجماعة الحوثي ازدواجية واضحة تعكس توجهات السياسة الخارجية لروسيا في المنطقة، فمن جهة، تلتزم روسيا علنًا بدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، ومن جهة أخرى، توفر وسائل إعلامها مساحة واسعة لإيصال وجهة نظر الحوثيين كجزء من "مقاومة محلية" تتحدى التدخلات الأجنبية. هذه الازدواجية تسمح لروسيا بلعب دور متوازن على الساحة الدولية، حيث تقدم نفسها كقوة محايدة تسعى لتحقيق السلام، بينما تتيح للحوثيين عرض مواقفهم على نطاق عالمي. والثمن يدفعه الشعب اليمني الذي يعاني من تسلط وإجرام الحوثي.