حصاد الأعضاء القسري في الصين .. هل يموت السجناء من أجل التجارة العالمية؟
في سجون الصين عندما يُعتَقل البعض من الإيغور المسلمين على يد الحزب الشيوعي الصيني، لا يهم في كثير الأحيان بأيّ تهمة تمّ سوقهم إلى هنا، ولا سبب وجودهم خلف القضبان، بقدر ما يهمّ كيف هي حال أعضائهم، وهل يتناسب حمضهم النووي مع قاعدة بيانات المشترين المحتملين، ففي أكثر زوايا تلك السجون عتمة ووحشية، لا يقف فقط رجال الحرس والأمن ببنادقهم وهراواتهم، بل يصادف أيضاً أن يوجد جلّادون بهيئة أطباء، في أيديهم المشارط وعلى مراييلهم البيضاء ما تبقى من دماء الأبرياء.
في هذا التقرير الحصري كثير التفاصيل الصادمة حول التجارة بأعضاء المعتقلين في معتقلات الصين.بالنسبة للسلطات الشيوعية في الصين، ثمّة سجناء هم أكثر من معتقلين، إنّهم كنز أعضاء بشرية يدر الكثير من المال والثروات. وإنْ كان المعتقل من أقلية الإيغور المسلمة في الصين، فذلك يعني أنّ أعضاءه أكثر طلباً لأنّها "حلال"، لم يسبق لصاحبها أنْ أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر، ما يجعل سوقها أكبر ويزيد من أسعارها، لتصبح بالتالي الأغلى ثمناً.
تقارير لمراكز حقوقية وبحثية عديدة وثّقت بآلاف المستندات عمليات القتل السرية، التي يقوم بها الحزب الشيوعي الصيني بحقّ السجناء في المعسكرات، لكنّنا في "أخبار الآن" تمكّنا من الوصول إلى مَنْ انتزع أعضاءً من السجناء، وبعضهم كان مازال على قيد الحياة.
أحد الأطباء الذين أجبروا على انتزاع أعضاء من السجناء، تحدّث إلينا عن تجربة مازال يحاول أن ينساها حتّى اليوم. هو الطبيب أنور توختي Enver Tohti الذي يعتبر أحد أهمّ شهود العيان على جرائم الحزب الشيوعي الصيني المتعلّقة بحصاد الأعضاء.
يقول توختي: "الحادثة حصلت خلال فترة عملي في مستشفى شينجيانغ، كان ذلك العام 1995 عندما استدعاني رئيس الجرّاحين للتحضير لعملية جراحية خارج المستشفى. أحضّرت كلّ ما طلبه، وقال لي إنّه ينتظرني غداً صباحاً عند الساعة 09:30 في مستشفى كايت. وبالفعل جئت في الموعد وانتظرته، كان هناك رئيسان للجراحين، وقد قدِما في سيارة واحدة وطلبا منّا أن نتبعهما - كانت مجموعتنا تتألف من ممرضتين ومساعدين وسائق - لحقنا بهما ووصلنا إلى مكان يدعى ويسترن ماونتن اكسكيرشن غراوند، وقال لنا رئيس الجراحين انتظروا هنا، واقتربوا عندما تسمعون صوت إطلاق الرصاص! فانتظرنا لبعض الوقت، ثمّ بدأنا نسمع الأصوات القادمة من الجهة المقابلة للتلة، بعدها سمعنا صوت الطلقات النارية، ولم يكن صوت رشاش بل صوت عدّة بنادق تطلق النار في وقت واحد".
ويضيف الطبيب: "هرعنا إلى المكان ورأينا على الجانب الأيسر لمنحدر الجبل، 10 أو 20 جثة بلباس السجناء وكانت رؤوسهم حليقة. في العادة الفريق الطبي لا يخاف من الجثث، لكن تلك المرّة كان هناك ضبّاط من الشرطة يصرخون علينا، فقد كان الوضع مضطرباً بعض الشيء".
أوامر سريعة صدرت في لحظات معدودة للطبيب بانتزاع الكبد والكليتين من سجين كان قد أطلق عليه الرصاص للتو، وأثناء انصياعه للأوامر كانت المفاجأة! يقول الطبيب لـ"أخبار الآن": "(قالوا لي إنتزع بسرعة الكبد والكليتين)، عندها فهمت سبب وجودنا هنا، فأزلت الكبد والكليتين، لكنّه كان ينزف، وذلك يعني أنّ القلب لا يزال يضخ الدم، ويعني أنّه لا يزال على قيد الحياة".
يتابع: "بعدما انتهينا من انتزاع الأعضاء المطلوبة، أخذ رئيسا الجراحين الأعضاء وغادرا، لكن قبل أن يغادرا قالا لي تذكر أنّ اليوم لم يحصل شيء، وحينها فهمت قصدهما. حينها لم أكن أعلم أنّ تجارة الأعضاء منتشرة في الصين، لكن لاحقاً في العام 2009 عندما كنت في المملكة المتحدة شاهدت الأخبار والتقارير وعرفت عن تجارة الأعضاء، وأدركت أنّني شاركت في ذلك".
قائمة الأعضاء التي طلب من هؤلاء الأطباء استئصالها شملت، الكلى، الكبد، القلب، الرئتين، القرنية إضافة إلى قطع الجلد، بهدف تحويلها إلى سلع للبيع لمن يدفع أكثر. ورغم أنّ تلك الاتهامات ليست وليدة اليوم، إلّا أنّ أيّ تحرّك دولي حقيقي لم يحدث، إذ أنّه لأكثر من عقد من الزمان ظلت تهم الاتجار بأعضاء المعتقلين تلاحق الصين، خصوصاً إنْ كان المعتقلون لا يؤمنون بمبادئ وأفكار الدولة الشمولية ويعيشون بطريقة تخالف أهدافها أهداف الشيوعية في الصين.
ومن هنا، فليس الإيغور وحدهم يتعرّضون في الواقع لسرقة أعضائهم، وذلك ما قاله الطبيب أندرو توتي: "ما يقال عن أنّ الإيغور فقط تعرضوا لإزالة أعضائهم هي مجرّد مغالطة وسوء فهم للنظام الصيني، فتجارة الأعضاء حصلت مع كلّ مَنْ كان لا يؤمن بالشيوعية، ومنهم أتباع حركة الفالون غونغ.
هان يو، فتاة صينية ثلاثينية كانت بالنسبة لنا طرف الخيط الذي قادنا رويداً رويداً إلى الحقيقة القاسية، التي يصعب على عقل بشري تصديقها.
تقول: "بعدما بدأت الملاحقات العام 1999، اعتُقل والدي عدّة مرّات وتعرّض للتعذيب في المعسكرات. كان عمري في المرّة الأولى 14 عاماً وكان أخي الأصغر يبلغ 9 سنوات. المرّة الأخيرة التي اعتُقل فيها والدي كانت في 28 فبراير العام 2004، وتمّ إيداعه في مركز اعتقال في منطقة فونغ شن في بكين، وقد صدر حكم إعدامه في أقل من 3 أشهر، وتحديداً في 4 مايو 2004".
تتابع: "ذات يوم أخبرتنا الشرطة أنّ والدي تُوفي نتيجة نوبة قلبية، لكنّني أعتقد أنّ ذلك ليس صحيحاً فهو كان يتمتع بصحّة جيّدة قبل اعتقاله. ما أثار شكوكنا أكثر هو أنّ الشرطة منعتنا من رؤية والدنا ولم نرَه إلّا بعد مضي شهر على وفاته. وحين تمكنّا من رؤية جثمانه، في ذلك اليوم لم يُسمح لنا بتغيير ملابسه. عندما رأيت جثّة والدي لم أصدق أنّ ذلك حقيقي. فقد كان مستلقياً والكدمات الخضراء والبنفسجية تغطي جسده، كان وجهه مشوهاً في عدة أماكن، وبالرغم من وجود مساحيق تجميل على وجهه إلّا أنّني استطعت أن أرى أنّ عينه اليسرى تنقصها قطعة من الجلد".
تضيف: "أكثر ما صدمني الغرز السوداء في منطقة الحلق، الجرح ممتد إلى الأسفل ومغطّى بالثياب. حاولت الاقتراب لأفك الأزرار، لكن سرعان ما منعتني الشرطة. لاحقاً دخل إثنان من أقاربي ومزقّا ثياب والدي على غفلة من الشرطة، ووجدا أنّ الجرح يمتد من حلقه إلى بطنه، وعندما ضغطوا على بطنه وجدا أنّه محشو بالثلج الصلب. الشرطة قالت إنّ ذلك الجرح هو بسبب تشريح الجثة فيما لم يوافق أحد في عائلتي على إجراء التشريح، كما أنّ الشرطة رفضت إصدار التقرير… بعد ذلك اللقاء الأخير نقلوا جثّة والدي إلى محرقة الجثث تحت إشراف الشرطة، وخلال نقل جثمانه لاحظت والدتي أنّ يده اليسرى مكسورة.
صورة من محضر أسرة هان يو ضد مركز إعتقال والدها بتهمة قتله لإنتزاع أعضاءه، إلا أنه تم رفض القضية
الوثيقة المتُرجمة للعربية
الوثيقة باللغة الصينة
من فالون غونغ إلى الإيغور
تجمع المراكز الحقوقية والتقارير المتخصصة على أنّ لمسلمي الإيغور وقبلهم جماعة فالون غونغ، حصّة الأسد من المعتقلين الذين تنتزع أعضاؤهم للتجارة بها.
ووفقاً للتحالف الدولي لإنهاء إساءة زراعة الأعضاء في الصين، فإنّ الأمر بدأ العام 1999 مع إعدام أتباع جماعة فالون غونغ، حيث تمّ انتزاع أعضاء جميع مَنْ تمَّ إعدامهم لبيعها، وفيما بعد حدث تزايد سريع في عمليات زرع الأعضاء خصوصاً في العامين 2001 و2002، وهو ما تزامن مع تزايد هائل في أعداد السجناء، خصوصاً من الفالون غونغ والإيغور، لتشهد معتقلات الصين ما يشبه انفجاراً بعمليات انتزاع الأعضاء من المعتقلين الذين كانوا يخضعون فور اعتقالهم وسوقهم إلى السجن، إلى فحوص دم واختبارات طبيّة لفحص أعضائهم، إضافةً إلى صورة صوتية لمنطقة البطن لفحص الكليتين والكبد، من دون إعطاء مبرر لهتلك الفحوصات، أو حتّى إعطاء أيّ نتائج للفحوصات الطبية للمعتقلين الذين خضعوا لها.
حتّى أنّ تقارير دولية ذهبت إلى أنّ المعتقلين كانوا يتعرضون للتعذيب والضرب خلال الفحوصات، للتأكّد من ردّات فعل أعضائهم وأجسادهم وقدرتها على التماثل للشفاء. وللمزيد من البراهين حول الفحوصات الطبية للمعتقلين، يمكن العودة إلى أوائل العام 2018 عندما أُرغم الإيغور المتواجدين شرق تركستان على إعطاء عيّنات من دمائهم لفحص الحمض النووي، وإجراء فحوصات طبية تتضمن الموجات فوق الصوتية وفحص الأعضاء الداخلية تحديداً، مع اختبار البصر للذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 وحتى 65 عاماً.
عدم الحصول على نتائج تلك الفحوصات أثار التساؤلات حول هدفها بحسب العالمة الإيغورية مايا ميتاليبوفا، وهي مديرة مختبر الخلايا الجذعية البشرية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، والتي أكّدت أنّ مرحلة جمع تلك العيّنات لم تشهد توقيع أيّ موافقة من قبل أبناء الإيغور الخاضعين للفحوصات التي كانت إلزامية.
صور من داخل أحد مراكز الاعتقال الصينية توضح كيفية التعامل مع المحتجزين
تقول ميتاليبوفا لـ"أخبار الآن" إنّ "هدف تلك الفحوصات التي يخضع لها الإيغور هو بناء قاعدة معلومات حول تسلسل الحمض النووي لكلّ أبناء الإيغور المسلمين، بهدف مطابقة المتبرّع بالأعضاء مع المتلقي، ومن أجل تلك الغاية أنشأت الحكومة الصينية مستشفيات بالقرب من معسكرات الاعتقال في شرق تركستان قبل أن تفتتح معسكرات جديدة قرب المستشفيات القائمة بالفعل، من دون إخضاع تلك المستشفيات إلى مراقبة دقيقة وسرية للتأكّد من سير العمل في تجارة الأعضاء وفق المخطط لها".
الأعضاء الحلال
في كثير من الأحيان تثار تساؤلات حول انصباب اهتمام الحزب الشيوعي الصيني، على اختيار أبناء أقلية الإيغور المسلمة وقبلهم أتباع فالون غونغ، من أجل أن يكونوا المعتقلين المختارين من أجل انتزاع أعضائهم، لتأتي الإجابة من خلال تقارير دولية أكّدت أنّ الأمر يتعدى رغبة الحكومة الصينية بإنزال أبشع العقوبات بهؤلاء المعتقلين، إلى ما بات يعرف في الصين باسم "الأعضاء الحلال".
ووفقاً لتلك التقارير، فإنّ أعضاء مسلمي الإيغور مازالت الأعلى سعراً، كما أنّ تلك الأعضاء تكون بحالة صحية ممتازة جرّاء نموذج الحياة الصحي الذي يتبعه الإيغور وأتباع فالون غونغ، فهم لا يحتسون الكحول ولا يدخّنون ولا يأكلون لحم خنزير، ما يرفع أسعار أعضائهم بالمقارنة مع غيرهم من معتقلي الرأي، إذ يبلغ سعر الكبد مثلا لمسلم إيغوري 300 ألف دولار، وهو ما يعادل ضعف متوسط السعر الاعتيادي لذلك العضو في سوق تجارة الأعضاء.
رئيس المؤتمر العالمي للإيغور دولقون عيسى يقول لـ"أخبار الآن" إنّه "منذ أكثر من 30 عاماً، لم تمارس الحكومة الصينية الاستئصال القسري للأعضاء فقط على الإيغور، بل على مجموعات أخرى أيضاً، حتى بات ذلك أمراً شائعاً جداً في الصين، لكن منذ العام 2016 بات الإيغور يُرسَلون إلى مخيمات الاعتقال حيث تشير التقديرات إلى نقل أكثر من مليون إيغوري إلى أقاليم صينية أخرى حيث لم يتعرضوا فقط للعمل القسري والاعتقال والقتل، بل تعدى الأمر إلى الاستئصال القسري للأعضاء، حتّى أنّ الحكومة الصينية قامت قبل أعوام بالدعاية على الملأ إلى عمليات زراعة الأعضاء الحلال من أجساد أشخاص لا يتناولون لحم الخنزير مع الاستعداد لنقل هذه الأعضاء وزرعها في أجساد الراغبين
ويوضح: "ورغم سحب الصين ذلك الإعلان جرّاء الانتقادات الشديدة، إلّا أنّ تلك الدعاية بقيت دليلاً على قتل الصين للإيغور والسطو على أعضاء أجسادهم، خصوصاً بعدما غادر أتباع الفالون غونغ الصين، ما حدا بالحكومة الشيوعية التركيز أكثر على الإيغور".
ففي العام 2017 وحده تمّ نقل نحو 1.2 مليون إيغوري من شرق تركستان إلى مناطق مختلفة في الصين، حيث تمّ توزيعهم على عدّة مناطق، وفي كلّ فترة تشنّ الشرطة جملة اعتقالات لأشخاص محددين من دون تحديد جرمهم، ومن ثمّ يتمّ الإعلان عن وفاتهم واختلاق أسباب مختلفة لكلّ وفاة.
أعضاء البشر تحت الطلب!
على الرغم من الأدلة الكثيرة على تعرض الإيغور وأتباع فالون غونغ للقتل في الصين، خصوصاً بعد اعتقالهم بهدف الحصول على أعضائهم، لكن لم يتحلّ أيّ بلد بالشجاعة الكافية لمواجهة الصين، لتقتصر المحاولات على تأسيس محكمة دولية أصدرت حكمها العام 2019 بعدما أوجدت براهين على ما وصفته المحكمة "بحقائق تفيد بأنّ الصين دولة مجرمة"، حيث شهدت جلسات الاستماع الخاصة بتلك المحكمة حينها تقديم وثائق تؤكّد استعمال الإيغور في عملية الاستئصال القسري للأعضاء، إضافة إلى تعرّضهم للكثير من الانتهاكات الأخرى.
كما تشكلت أيضاً فيما بعد في لندن وتحديداً العام 2020 المحكمة الشعبية للدفاع عن الإيغور، وقد أجرت أوّل تحليل قانوني مستقل في العالم لحصاد الأعضاء القسري من سجناء الرأي في الصين، كما فحصت المحكمة كلّ الأدلّة المتاحة من أجل تحديد الجرائم الجنائية التي اُرتكبت من قبل أفراد تابعين لهيئات أو منظمات أو مسؤولين صينيين شاركوا في حصاد الأعضاء القسري.
شهدت الجلسات في أبريل العام 2019 وديسمبر العام 2020 مساهمة أكثر من 50 من شهود العيان والخبراء والمحققين بالأدلّة، ولم يكن من المفاجئ أن تخلص المحكمة في حكمها إلى إدانة الحكومة الشيوعية في الصين بالاتجار بأعضاء البشر، خصوصاً من أقلية الإيغور المسلمة، بل تعدى الأمر إلى كشف أوراق المحكمة عن أرقام صادمة وحقائق بينها أنّ الصين تدعي رسمياً إجراء 10,000 عملية زرع كلّ عام، فيما حقيقة الأمر أنّ مستشفيات في البلاد قد تعدت ذلك الرقم.
وبناءً على متطلبات السعة الدُنيا التي تفرضها الحكومة لمراكز زرع الأعضاء، كان من الممكن أن تجري مستشفيات زرع الأعضاء المعتمدة، البالغ عددها 169 مستشفى بين 60,000 إلى 100,000 عملية زرع سنوياً، فيما وصلت السعة الإجمالية الحقيقية منذ العام 2000 إلى مليون عملية زرع.
وبحسب المحققين في محكمة الصين الشعبية، فأنّ أكثر من 1,000 مستشفى زرع بالصين، تقدمت للحصول على تصاريح من وزارة الصحة العام 2007 لمواصلة العمل، ما يعني أنّ تلك المستشفيات استوفت أيضاً الحد الأدنى من متطلبات الوزارة الخاصة بسعة مراكز الزرع، في وقت تستمر مستشفيات كثيرة في إجراء عمليات زرع على الرغم من عدم حصولها على شهادة معتمدة، ما يؤكّد أنّ عدد عمليات الزرع هي أكبر بكثير من ما تعلنه الصين.
وبإجراء مقارنة مع لائحة الانتظار في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول، فقد يطول انتظار مَنْ ينتظر عضواً لزرعه في جسده لسنتين أو أكثر، فحتّى في البلدان التي تتمتع بقدرات رعاية صحية متقدمة وأنظمة جيّدة لتنظيم للتبرع بالأعضاء وتخصيصها، يجب على المرضى عادةً الانتظار سنوات حتّى يتوفر المتبرع. أمّا في الصين فالأمر مختلف إذ يعلم الجميع أنّ بوسعهم الذهاب إلى الصين حيث مدّة الانتظار لا تتجاوز الأسبوعين أحياناً، ووفقاً لإحصاءات رسمية صينية، فإنّ أوقات الانتظار لعمليات زرع الكلى والكبد لا تتعدى الأسابيع.
وبحسب تقرير سجل زراعة الكبد لعام 2006، فقد تمّ إجراء 26.6 % من 4,311 عملية زرع كبد، بعد أن تمّ أخذ عينات منها في ظل ظروف "طارئة"، أيّ أنّه تمّ الحصول على العضو في غضون أيام، وفي بعض الأحيان خلال ساعات فقط.
حتى لو اعترفت الصين!
وبالعودة إلى البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الصينية، فإنّ حجم التبرع بالأعضاء طوعياً قليل جدّاً جرّاء اعتبارات عديدة، بينها رفض التبرع بالأعضاء وفق التقاليد الشعبية الصينية، وبالرغم من أنّ التعداد السكّاني للصين يصل إلى مليار ونصف مليار شخص، إلّا أنّ العدد الرسمي للتبرّع بالأعضاء فيما قبل لم يكن يتجاوز 10 آلاف شخص سنوياً، وفي أواخر التسعينات ارتفعت نسبة عمليات زرع الأعضاء في الصين ليصبح العدد غير الرسمي 100 ألف عملية زرع أعضاء، وكلّها جرت في غضون سنة واحدة فقط.
وبحسب تقرير استقصائي حول سرقة الأعضاء الحية في الصين بين عامي 2006 و2007، للمحامي الدولي والحقوقي ديفيد ماتاس والنائب الكندي ديفيد كليغور، فإنّ ممارسي الفالون غونغ تعرضوا لاستئصال أعضائهم سرّاً رغماً عنهم في مستشفى تدعى سوجياتون.
لم يكتفِ التقرير بتأكيد أنّ سرقة الأعضاء قسراً من المعتقلين ما زالت مستمرة حتى اليوم، بل قدّم بيانات تتعلق بالفترة من 2000 و2005، حيث تمّ تنفيذ ما يقرب من 4100 عملية زرع أعضاء غير معلومة المصدر في الصين.
التقرير دفع الصين إلى الردّ على الاتهامات لأوّل مرّة وقد كذّبته. ومع تزايد الحديث حول التقرير بين الصينيين، لم يجد الحزب الشيوعي الحاكم حلّاً سوى حظر التداول به، مع التذكير بأنّ الصين أطلقت في ستينات القرن الماضي برنامجها لزراعة الأعضاء والذي يُصنف اليوم ضمن أحد أكبر برامج زراعة الأعضاء في العالم منذ أن بلغت العمليات التي ينفذها ذلك البرنامج الذروة العام 2004 بواقع تنفيذ 130 ألف عملية زرع أعضاء.
وعلى الرغم من أن القانون الصيني يعتبر حصاد الأعضاء غير الطوعي غير قانوني، إلّا أنّ لائحة العام 1984 في الصين تتيح قانونياً إزالة الأعضاء من "المجرمين" الذين تمّ إعدامهم بموافقة مسبقة من المجرم أو إذن من الأقارب. وبحلول التسعينيات أدّت المخاوف المتزايدة بشأن الانتهاكات الأخلاقية الناجمة عن الموافقة القسرية والفساد، إلى دفع الجماعات الطبية ومنظمات حقوق الإنسان إلى البدء في إدانة تلك الممارسة.
وفي العام 2001 عاد الحديث بقوّة حول انتهاكات الصين بما يخص تجارة العضاء عندما نقلت صحيفة واشنطن بوست تصريحات طبيب صيني أكّد أنّه شارك في عمليات استخراج الأعضاء. وبحلول العام 2005 طالبت الجمعية الطبية العالمية الصين بالتوقف عن استخدام السجناء كمتبرعين بالأعضاء.
وفي ديسمبر من ذلك العام، أقرّ نائب وزير الصحة الصيني بأنّ ممارسة إزالة الأعضاء من السجناء الذين أُعدموا لزرعها منتشرة على نطاق واسع، وحينها جاء الرقم الصادم بأن ما يصل إلى 95 % من كلّ عمليات زرع الأعضاء في الصين مستمدة من عمليات الإعدام، وكأنّه شبه اعتراف صيني بمجازر ترتكبها بحقّ المعتقلين عبر السطو على أعضائهم، إلّا أنّ ذلك كلّه لم يحرّك العالم، وربّما لن يحركه، حتى لو خرجت الصين وصاحت: "أعضاء الإيغور للبيع فهل من مشترٍ؟! لن يتغير شيء على ما يبدو".