ممرات الدم: رحلة الأسلحة الإيرانية من اليمن إلى جماعة الشباب في الصومال

أخبار الآن | 22 أكتوبر 2024

- إيران تكثف من تسليحها لجماعة الشباب في الصومال لزعزعة استقرار المنطقة.
- الأسلحة الإيرانية التي تصل لجماعة الشباب لم تعد فقط تقليدية بل تشمل أسلحة استراتيجية.
- الحوثيون يتحالفون مباشرة مع جماعة الشباب، متجاوزين تنظيم القاعدة في اليمن.
- هل ستنضم جماعة الشباب إلى مشروع "جهاد طروادة " الإيراني؟
- ما هو سر "مقعد الشاه"؟

تهديد ووعيد واستعراض للقوى العسكرية، هكذا تختار دوماً ميلشيا الحوثي الإرهابية أن تحمل رسائلها دلالات مُبطنة لترهيب من تراهم أعدائها في المنطقة، ولعل هذا ما بدا جلياً في تداعيات حرب غزة الأخيرة من ضرب وتدمير الميلشيا لعدد من السفن في منطقة البحر الأحمر.. 

يفعل الحوثي كل هذا ظاهرياً دفاعاً عن القضية الفلسطينية ولكنه في حقيقة الأمر يتحرك بتوجيهات من طهران التي وقفت وراء هذا المشهد الدفاعي مقابل تسخيرها لجميع الأسلحة والإمكانيات العسكرية تحت تصرف الميلشيا فيما عُرف بـــــــ"حرب الوكالة".. فلم تعد تلك جماعة الحوثي  مُجرد تنظيم مُسلح داخل الحدود اليمنية فحسب، بل أصبحت تمارس دورها كأحد أذرع الأخطبوط الإيراني الذي يحاول أن يطال الكثير من الدول وعلى رأسها بلدان القرن الأفريقي وهذا كله لتحقيق هدفها الأعلى وهو تشكيل تهديد حقيقي على مضيقي هرمز وباب المندب للتحكم في حركة الملاحة البحرية حتى وإن كان ذلك عبر تنشئتها ومساعدتها لكيانات إرهابية مثل ميلشيا الحوثي التي تتكشف يوماً بعد يوم نيتها الإجرامية، ورغبتها التوسعية في فرض نفوذها والسيطرة على المنطقة.

وفي الوقت الذي تكثف فيه ميليشيا الحوثي ضرباتها في البحر الأحمر، تستمر بالتوازي في إنشاء شبكة من العلاقات ويكثفون من أنشطتهم وتحركاتهم في القرن الأفريقي كجزء من استراتيجيتهم الخبيثة لتحقيق الكثير من الأهداف أولها تأمين خطوط إمدادهم بالسلاح من إيران ودعم حلفائهم وعلى رأسهم جماعة الشباب في الصومال فكيف يحدث ذلك ؟

أولاً: تهريب السلاح.. أسلحة إيران في يد الحوثي

نهاية يناير الماضي، اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية عدد من سفن التهريب الإيرانية، ليكون إجمالي عدد السفن التي تم اعتراضها في الفترة من 2015 وحتى 2024 قرابة 20 سفينة.. ولكن ماذا حوت تلك السفن؟

الإجابة على هذا السؤال جاءت في تقرير مفصل أعدته وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية تحت عنوان "ضبط في البحر: أسلحة إيرانية مهربة إلى الحوثيين"، حيث حوت تلك السفن مكونات صواريخ باليستية من طراز "طوفان" وفي الأساس هي صواريخ "قدر" الإيرانية ولكن أعيد تسميتها ويتراوح مداها بين 1600 -1900 كم. وصواريخ كروز يصل مداها 2000 كم من عائلة سومار الإيرانية وأخرى أرض جو، مضادة للدبابات ومركبات جوية بدون طيار وأسلحة أخرى غير مشروعة تم استخدامها لشن أكثر من 100 هجوم بري وبحري عبر الشرق الأوسط والبحر الأحمر وخليج عدن. 

وبإجراء مقارنة بسيطة بين نوعية الأسلحة التي تم العثور عليها ونظيرتها التي تمتلكها إيران تبين مطابقتها إلى حد كبير. حقيقة الأمر لم تكن كمية أو نوعية الأسلحة التي تم ضبطها هى فقط العتاد العسكري الذي تمتلكه ميليشيا الحوثي فبخلاف ما تم الكشف عنه، تضم قائمة أسلحة الحوثي من الطائرات بدون طيار مسيرات "شاهد-136" الإيرانية التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا أيضا ويبلغ مداها حوالي 2500 كم، ومسيرات من طراز صماد 3 يبلغ مداها 1600 كم قادرة على حمل 18 كيلو جرام من المتفجرات.

ولكن في الوقت الذي تستعرض فيه ميلشيا الحوثي بإمكانياتها العسكرية التي تقف وراءها إيران، يبقى السؤال كيف تدخل تلك الأسلحة من الأصل إلى اليمن ومنها إلى الصومال ؟ 

في تقرير حديث لمنصة P.T.O.C  اليمنية المعنية بتعقب الجرائم وغسيل الأموال، -حصلت أخبار الآن على نسخة منه- تم الكشف عن شبكة و طرق التهريب التي يتم الاعتماد عليها لتهريب السلاح من وإلى اليمن عبر البحر الأحمر، تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني إذ يتم إيصاله إلى عدد من الدول المطلة على البحر الأحمر مثل الصومال وإريتريا وجيبوتي والسودان قبل تجمعيه وإيصاله إلى الحوثيين عبر ميناء الحُديدة. ويتم هذا عبر شبكة كبيرة قادتها معروفين بولائهم لإيران ينوعون مصادر الأسلحة ويحصلوا على بعضها من الهند وباكستان ثم يقومون بتهريبه إلى الحوثيين في اليمن. ويتم شراء الأسلحة من مناطق أفريقية مختلفة ومنها إريتريا وخاصة الأسلحة المستخدمة التي حصل عليها مالكوها إبان حروب التحرير مع إثيوبيا إضافة إلى ما يتم إرساله من الحرس الثوري الإيراني إلى تلك المنطقة بهدف إعادة إرساله إلى الحوثيين. 

طرق التهريب

تمر طرق التهريب عبر سواحل البحر في إريتريا وعبر البحر مباشرة إلى محافظة الحُديدة التي يسيطر عليها الحوثيين، وتواصل إيران إمداد ميليشيا الحوثي في اليمن بمختلف أنواع الأسلحة وخاصة منذ إندلاع الحرب أواخر مارس عام 2015 بهدف إطالة أمد الحرب وزعزعة الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة وتزايدت وتيرة  تهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر البحر على خلفية الحرب التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة فى أكتوبر 2023 إذ زودت إيران الحوثيين بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة لاستهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر منذ 19 نوفمبر الماضى في انتهاك واضح وصريح لقرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 2624 لسنة 2022 تحت البند السابع، والذي يدين استمرار توريد الأسلحة إلى اليمن انتهاكا لحظر الأسلحة المحدد الأهداف والمفروض بموجب الفقرة 14 من القرار 2216 لسنة 2015 باعتباره تهديداً خطيراً للسلام والاستقرار في اليمن والمنطقة.

وتقوم إيران بتسليم الأسلحة إلى عناصر التهريب التابعة لميلشيات الحوثي في بحر إيران على بعد 20 ميل من جزيرة خرك الإيرانية بهدف إيصالها إلى ميلشيات الحوثي، حيث يتم تحميل السلاح على متن صناديق كبيرة حمولة 20 طن أو على متن قارب كبير حمولة 200 طن وبحسب المعلومات فإن جميع البحارة يحملون الجنسية اليمنية. ويعد ميناء بندر عباس وجاسك من أهم الموانئ الإيرانية المستخدمة في عملية التهريب.

وكشف التقرير عن مسارات التهريب التي تبدأ من إيران إلى سواحل المهرة اليمنية وهي بحسب حجم القارب أو الصندوق، ومسار آخر من الصومال وجيبوتي إلى محافظة الحُديدة حيث  تستخدم الميليشيات نقاط استلام الشحنات التابعة لهم الواصلة من الخارج وهى ميناء بربرة في الصومال وجيبوتي حيث يتم استلام الشحنات وتحميلها على متن صناديق وجلبات ويتم التحرك بها إلى باب المندب حيث يكون المسار على بعد 8 أميال بحرية شرق جزيرة حنيش.

ووفقا لما ورد في التقرير فإنه يتم شحن الأسلحة من إيران إلى دول شرق أسيا، ومنها إلى اليمن، إذ يستخدم المهربون الإيرانيون هذه الطريقة لأنه لا يوجد  تركيز على البضائع القادمة من شرق آسيا إلى الموانئ اليمنية وتقول المصادر أن التهريب إلى محافظة المهرة يعد من الطرق الرئيسية كما يستخدم المهربون ميناء جيبوتي لإدخال المواد المهربة تحت غطاء أسماء شركات ومؤسسات وهمية وبعد وصول السفن واستلام الحاويات يتم تفريغها بالتنسيق مع المهربين مالكى الصناديق لشحنها وتهريبها إلى السواحل اليمنية وبحسب المصادر فإن منطقة زيلع (زيلاك) القريبة من الحدود مع جيبوتي تعتبر من أهم المواقع التي يصل إليها السلاح، إذ ارتبطت بجهات فاعلة خبيثة مثل إيران والحوثيين، وأصبحت نقطة عبور لتهريب الأسلحة لصالح إيران ووكلائها في اليمن والمنطقة.

أهم الموانئ التي تستخدمها إيران لتهريب الأسلحة من وإلى الحوثيين في اليمن

ميناء بوصاصو

يعتبر ميناء بوصاصو من ابرز الموانى التي من خلالها يتم تهريب الأسلحة للحوثيين القادمة من إيران

ميناء بربرة

تعتبر من أهم المواقع التي يصل إليها السلاح

ميناء زيلع (زيلاك)

تعتبر من أهم المواقع التي يصل إليها السلاح، لقربها من السواحل اليمنية والجيبوتيه

ففي 16 يونيو2024 ذكرت تقارير إعلامية أن الحوثيين أنشأوا طريقًا جديدًا عبر جيبوتي، باستخدام السفن المدنية لنقل الأسلحة من الموانئ الإيرانية. وتعد محافظة حضرموت أحد خطوط التهريب الرئيسية للأسلحة الإيرانية سواء القادمة عبر المنافذ البرية من الدول الحدودية، أو القادمة بحرًا من الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية والمهرة المجاورة، أو القادمة بحرًا من سواحل الصومال وجيبوتي، أو تلك التي يجري شحنها إلى قوارب صغيرة عبر النقل العابر في عرض البحر.

وفور وصول شحنة الأسلحة إلى الشواطئ اليمنية يتم نقلها إلى مخازن سرية مجاورة لتبدأ بعدها عملية تهريبها برًا على شكل دفعات، وعلى متن شاحنات ومركبات نقل البضائع ً إلى مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء وصعدة التجارية وصوال، ويتولى الإيرانيين تهريب شحنات الأسلحة فى المرحلة البحرية الأولى، ّ فيما يتولى استقبالها في المرحلة الأخيرة بالقرب من سواحل اليمن قيادات حوثية تنتمي إلى محافظة صعدة وهم من يشرفون أيضا على تهريبها داخل المحافظات اليمنية.

كيف تخرج الأسلحة من اليمن إلى الصومال؟ 

حصلت أخبار الآن على وثيقة سرية أتاحها موقع OCCRP ALEPH مشروع التقارير حول الجريمة المنظمة، تكشف عن دخول السودان أيضا على خط التهريب حيث يتم تهريب الأسلحة من جنوب السودان إلى مناطق حدودية مع شمال السودان ومن ثم تهريبه إلى وادي القضارف ومن ثم إلى تكالي في سواحل إريتريا الشمالية ومن ثم إلى السواحل اليمنية.

وجاء في الوثيقة أن شبكة تهريب الأسلحة التي تنطلق من اليمن تزود أفرادًا في أفريقيا، يقومون بتسليمها إلى كيانات مختلفة هناك، قد تشمل مجموعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة "جماعة الشباب في الصومال". وفقًا لمعلومات حديثة، وافق متطرف مرتبط بقبيلة الرشيدة، أبو فؤاد الدندري، على التفاوض بشأن شراء أسلحة بين ممثلي قبيلة الرشيدة في السودان، الذين يتلقون أسلحة من اليمن عبر هذه الشبكة، ومجموعة الشباب المرتبطة بالصومال. هذه الشبكة تزود أيضًا الأسلحة التي يتم تهريبها إلى قطاع غزة. 

وتُنقل الأسلحة عبر قوارب عبر البحر الأحمر إلى نقاط إنزال في السودان، حيث تُستقبل السفن على الشاطئ أو على بُعد مسافة قصيرة من الساحل. بمجرد وصول الشحنة، يُعتقد أن البضائع تُنقل شمالًا بواسطة السيارات عبر السودان. لقد قامت هذه الشبكة بتهريب مجموعة متنوعة من الأسلحة من اليمن، بما في ذلك الصواريخ، والمسدسات، وقذائف صواريخ مضادة للدروع، والمدافع المضادة للطائرات.

وأشارت الوثيقة إلى أن الموقع الجغرافي لليمن وتوافر كميات كبيرة من الأسلحة في السوق السوداء، ناهيك عن العديد من الجماعات المسلحة النشطة في المنطقة التي تسعى للحصول على إمدادات إضافية من الأسلحة، يجعلها هدفًا جذابًا للوسطاء والمهربين.

وأوضحت الوثيقة أنه تتوفر في اليمن وفي أماكن أخرى في المنطقة قوارب صغيرة مملوكة للقطاع الخاص يمكن تحويلها من الأنشطة التجارية الشرعية لأغراض التهريب. ويُعد توافر هذه الوسائل من النقل عنصرًا محوريًا محتملًا في أي جهد لوقف تدفق هذه الأسلحة. ويمكن أن تعبر هذه القوارب بسهولة البحر الأحمر والخليج العربي باستخدام المياه الإقليمية للدول الساحلية، بما في ذلك اليمن، لتقليل مخاطر الاعتراض في المياه الدولية. 

وأكدت على أن الأعداد الكبيرة من هذه القوارب التي تُبحر في هذه المياه تمثل تحدي كبير في تحديد السفن المحددة المشاركة في أنشطة التهريب غير المشروعة. وتم تحديد ميناء شقرة، المكلا، الشرم، والغيداء على الساحل الجنوبي لليمن كموانئ محتملة رئيسية أو مناطق عبور للأسلحة المخصصة للصومال وربما جهات أخرى، كما أن جماعة الحوثي ساهمت وسهلت حصول جماعة الشباب الصومالية بأكثر من عشرين ألف قطعة سلاح وعدد من عناصر التدريب بهدف خلق اضطرابات في البحر األحمر خلال المرحلة القادمة ضمن صفقة سرية بين القاعدة وجماعة الحوثي.

تقرير أخر قدمته المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، جاء فيه أن مستوردي الأسلحة في الصومال اعتمدوا على اليمن كمصدر رئيسي للأسلحة غير المشروعة وذلك بسبب خضوع الصومال منذ عام 1992،  لحظر أسلحة فرضته الأمم المتحدة، مما يجعل جميع واردات المعدات العسكرية إلى البلاد نتهاكًا للقانون الدولي. وتدخل الأسلحة من اليمن إلى الصومال عن طريق منطقة بونتلاند، وهي منطقة شبه مستقلة تضم معظم الزاوية الشمالية الشرقية من الصومال، النقطة الرئيسية لدخول الأسلحة غير المشروعة إلى البلاد. 

وعادة ما تشمل واردات الأسلحة غير المشروعة إلى بونتلاند أسلحة خفيفة مثل المسدسات، وبنادق من طراز AK، وقاذفات القنابل الصاروخية، ومدافع رشاشة على الطراز السوفيتي، بالإضافة إلى الذخيرة الخاصة بها

وتتم عملية تهريب الأسلحة إلى بونتلاند عادة بطريقتين. الأولى، وهي الأكثر شيوعًا، تشمل شحنات صغيرة تُنقل عبر قوارب سريعة عبر خليج عدن من الساحل اليمني، غالبًا من مناطق قرب المدن الساحلية مثل المكلا، بير علي، بلحاف، والشحر. أما الطريقة الثانية فهي أكثر تعقيدًا، حيث تعتمد على الاتصال بين إيران واليمن في تهريب الأسلحة. تنقل السفن الكبيرة (الداو) أسلحة أكبر، وغالبًا ما تشمل صواريخ أرض-جو وغيرها من الأسلحة المتطورة، من ساحل مكران الإيراني.

ومنذ أواخر عام 2015، أسفرت عمليات ضبط عدة سفن إيرانية عن أدلة تشير إلى أن الأسلحة الخفيفة والذخيرة يتم نقلها إلى الصومال عبر شبكات إجرامية باستخدام قوارب أصغر قبل وصول السفن الكبيرة إلى اليمن.

مهام مجموعات التهريب

معلومات جديدة يكشف عنها تقرير المنصة اليمنية P.T.O.C المعنية بتعقب الجرائم وغسيل الأموال، خاصة بمهام مجموعات تهريب السلاح من وإلى اليمن والصومال والمقسمة إلى ثلاث مجموعات وهي مجموعة المهربين البريين ويتواجدون باتجاه لحج وفي نجد مهمة هذه المجموعة استلام السلاح من تجار الأسلحة ونقله فوق باصات أو قواطر إلى مناطق سيطرة الحوثيين. أما المجموعة الثانية، فتشمل عناصر هذه المجموعة ميليشيا الحوثي المتواجدين في الحُديدة ويعملون بالقوات البحرية، ومهمة هذه المجموعة تحديد طرق بحرية آمنة للمجموعات المختلفة أثناء نقلهم للسلاح من الجزر الإريترية إلى الحُديدة. 

والمجموعة الثالثة فتشمل الصيادين اليمنيين المتواجدين في الجزر الإريترية لغرض الصيد ولديهم فيبرات وجلبات يعملون عليها. ومهمة هذه المجموعة نقل السلاح من اللحية بالحديدة عبر البحر على متن الفيبرات والجلبات التابعة لهم وتهريبها من وإلى الجزر الإريترية. 

أما المجموعة الرابعة والأخيرة فتتوزع وتتواجد في السودان، إريتريا، الصومال، الجزر الإريترية، ومهمة المجموعة استلام كميات السلاح الواصلة إلى الجزر الإريترية وتوزيعها ونقلها من وإلى اليمن والعمل على الاستثمار في بيع الأسلحة للأطراف المناصرة في القرن الأفريقي ودول المنطقة وتوريد الإرادات للحوثيين من تجارة تهريب وبيع الأسلحة.

ثانياً: "التجنيد" أساس خطة التوسع الأفريقي 

بعد الحديث عن تهريب الأسلحة الإيرانية من وإلى اليمن والصومال، تجدر الإشارة للعنصر الثاني في خطة إيران وجماعة الحوثي في التوسع أفريقيا وهو التجنيد ففي 2014 وعقب اجتياح العاصمة صنعاء، تجلت رغبة ميليشيا الحوثي في التوسع والسيطرة أفريقياً وبالطبع بتوجيه من طهران، حينها وجدت الميلشيا الفرصة سانحة لاستقطاب وتجنيد العديد من العناصر الأفريقية من جنسيات مختلفة وتم إخضاعهم بالفعل لدورات ثقافية وعسكرية وتوزيعهم على جبهات القتال " تعز، الساحل الغربي، مأرب، وغيرهم " مع إعادة عدد آخر من المقاتلين لبلادهم في أفريقيا ليكونوا عيناً للميليشيا ومُعينا لها. 

ولم تكتف جماعة الحوثي بهذا فحسب بل بدأت أيضا وقتها في استقطاب العديد من الشخصيات والرموز الأفريقية المؤثرين "قبيلة العفر، الأورومو، أوجادين"، من بين أوساط الجاليات الأفريقية في صنعاء (الصومالية، الإريترية، الإثيوبية) والاعتماد عليهم في حشد واستقطاب اللاجئين المتواجدين في صنعاء، وكذلك استقطبت المقاتلين الأفارقة من مناطقهم ونسقت لهم للوصول إلى العاصمة اليمنية.  وتقوم جماعة الحوثي بتدريب العناصر الأفريقية عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً في معسكرات سرية وخاصة في كل من الحُديدة والجوف وكتاف وتحاط هذه المعسكرات بسرية عالية إذ يتم نقلهم إلى الجبهات أو اعادتهم لبلدانهم لممارسة مهامهم الاستخباراتية. 

ولكن يبقى السؤال ما الهدف من التوسع في الأساس؟ 

الإجابة على هذا السؤال تتطلب إلقاء نظرة متفحصة على مجموعة من الأهداف الإستراتيجية والعسكرية الخاصة بجماعة الحوثي لتكون بديلاً مباشراً عن إيران في المنطقة، ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال تجدر الإشارة لتاريخ سيطرة وتركيز إيران مع منطقة القرن الأفريقى عامة والصومال خاصة ، على مدار عشرات السنين، كانت إيران ولا زالت تحاول اختراق منطقة القرن الأفريقي ووضع يديها على ثرواتها، لما تتمتع به تلك المنطقة من أهمية جيوسياسية واستراتيجية بحكم موقعها وقربها من منافذ بحرية شديدة الحيوية والاهمية بالنسبة لطهران . 

وللصومال أهمية خاصة بالنسبة لإيران لما يتمتع به هذا البلد من موارد وثروات موجودة في أرضه هذا بخلاف حدوده مترامية الأطراف وسواحله الطويلة المطلة على منافذ مائية واستراتيجية تمر منها نسبة كبيرة من التجارة العالمية مما يجعلها ذات أهمية تجارية واقتصادية كبرى.

محاولة إيران الدائمة في السيطرة على الصومال تعود بنا إلى أحدى الروايات التاريخية حول أصل كلمة "مقديشيو" فيرجح البعض كونها من أصل فارسي مكون من كلمتين "مقعد شاه" وآخرين يرون أن للكلمة أصل صومالي معناه الجمال الآخاذ . 

ويأتي انخراط إيران مع الحوثيين  في وقت تقوم فيه الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية بتنفيذ مشروع شامل لاستخدام بعض المتطرفين السُنة (مثل القيادة العامة للقاعدة) لخدمة مصالحها. وقد أطلقت "أخبار الآن" على هذا المشروع اسم "جهاد طروادة" نظرًا لطبيعته ونتائجه.

ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه في العقود السابقة، فشلت جهود القاعدة لأخذ السيطرة المباشرة على جماعة الشباب. حيث أن القائد الفعلي الحالي للقاعدة، سيف العدل، قد تم رفضه من قبل الصوماليين. لذا، فإنه من المثير للاهتمام أن إيران تستخدم الحوثيين بدلاً من القاعدة في اليمن لتحقيق أهدافها في زعزعة الاستقرار الإقليمي.

ومن الناحية الاستراتيجية يسعى الحوثي لاستخدام خلاياه في القرن الأفريقي لجمع المعلومات حول الأنشطة العسكرية والتجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، والتجسس على التحالفات الدولية ومراقبة وتحليل تحركات الدول المتحالفة مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، هذا إلى جانب تعزيز قدرات إيران الاستخباراتية في المنطقة واستقطاب عملاء محليين أفارقة لجمع المعلومات وتقديم الدعم اللوجيستي، بخلاف التأثير على القرارات السياسية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول القرن الأفريقي وخاصة إريتريا، جيبوتي، والصومال والتلاعب بالعلاقات بين هذه الدول والدول الخليجية لضمان عدم تشكيل جبهة موحدة ضد الحوثيين. 

أما من الناحية العسكرية تضمن جماعة الحوثي من خلال مخطط التوسع الأفريقي، تأمين خطوط الإمداد للموانئ الاستراتيجية والسيطرة على المنافذ البحرية الهامة لضمان تدفق الأسلحة والإمدادات، وحماية وتأمين الطرق البحرية المهمة التي تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن. وكذلك إنشاء قواعد عسكرية من خلال إقامة محطات لتخزين الأسلحة وتدريب المقاتلين.

إلى جانب نشر عناصر حوثية سرية في المنطقة لتعزيز قدراتها على التدخل السريع والدفاع عن المصالح الإيرانية إذ تفيد الكثير من التقارير والمعلومات إن طهران تمتلك استراتيجية في منطقة وسط القارة الأفريقية وحتى شمالها وهي بذلك تهدف إلى خنق المصالح العالمية وممرات الملاحة الدولية كاملة ويعتبر توسع الحوثيين في القرن الأفريقي جزء من هذه الاستراتيجية. 

ومن خلال سيطرة الحوثي على تلك الدول أيضا يمكن استخدامها كقاعدة لشن هجمات على السفن التجارية والعسكرية التابعة للتحالفات الدولية، وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن لزيادة الضغط على خصومهم، كما تسع الحوثي لتقديم الدعم العسكري والتدريب اللازم للجماعات المتمردة والحركات الانفصالية في القرن الأفريقي لتعزيز الفوضى وزعزعة الاستقرار. وهذا بعد بناء علاقات أيدلوجية مع الحركات والجماعات المعارضة للحكومات المحلية لتحقيق أهداف الحوثي وإيران.

لماذا يُعد توسع الحوثي أفريقياً خطراً كبيراً ؟ 

أمام الأهداف السابقة التى تسعى جماعة الحوثي لتحقيقها عبر سيطرتها على مجموعة من الدول الأفريقية خدمة لمصالح إيران، تبقى هناك مجموعة من المخاطر والمحاذير الواجب الإشارة إليها، فنتيجة لهذا التوسع ستزداد حدة النزاعات في المنطقة ويحدث تصعيد عسكري بين الدول، إلى جانب زيادة التوترات بين الدول الاٌقليمية وهذا بمثابة فتيل نار قد يشعل الأزمات والصراعات التي قد يكون من الصعب إخمادها ناهيك عن تهديد الملاحة البحرية واستهداف السفن في مياه البحر الأحمر وخليج عدن ونشر الإرهاب والفوضى عبر دعم الكيانات الإرهابية مثل جماعة الشباب الصومالية  التي تؤكد التقارير ان مليشيات الحوثي قد زودتهم بكميات كبيرة من الأسلحة، الأمر الذي قد يزيد من نفوذ عناصر تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى في منطقة القرن الأفريقي. 

ضف على ذلك الأزمات الإنسانية، كزيادة معدلات النزوح من الدول التي ستشهد أزمات وصراعات مما يمكن الحوثي من استغلالها في جرائم الاتجار بالبشر واستقطاب مزيد من المقاتلين وهذا كله سيزيد من تدخلات الدول الكبرى في المنطقة حفاظا على مصالحها مما سيحول منطقة البحر الأحمر إلى بؤرة صراع طويل الأمد.

الخلاصة: 

ماذا نتعلم حقًا من كل هذه الحقائق؟ بالنسبة للصومال، فإن الاستنتاج الرئيسي هو أن الأسلحة الاستراتيجية التي تقدمها إيران إلى جماعة الشباب تهدف إلى نشر الفوضى في المنطقة. وتتوقع إيران أن تلعب الشباب دورًا مشابهًا لدور الحوثيين في تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي، باستخدام الصومال كقاعدة جديدة عبر باب المندب. وإذا أرادت جماعة الشباب استمرار إمدادات الأسلحة الإيرانية، فسوف يشعرون بأنهم ملزمون بالخضوع للأجندة الإيرانية.

 ومن خلال قبول الأسلحة الإيرانية، تكون بعض قيادات الشباب قد تخلت بالفعل عن جزء من استقلالية صنع القرار لصالح التبعية الإيرانية. سيكون من المهم مراقبة مدى نجاح هذه الاستراتيجية، لأنها من المحتمل أن تكون مسألة مثيرة للانقسام داخل الجماعة الصومالية.