جهاد طروادة من كابول إلى صنعاء

مقاتلون أفغان وباكستانيون في خدمة المشروع الإيراني باليمن

صور مُتخيلة بالذكاء الإصطناعي

صور مُتخيلة بالذكاء الإصطناعي

أخبار الآن | دبي - 9 سبتمبر 2024

مطلع يونيو من العام الحالي 2024، وفي إحدى المظاهرات التي تخرجها جماعة الحوثي التي تدعي بأنها مناصرة لغزة في العاصمة صنعاء، لفت إنتباه اليمنيين وجود أشخاص من جنسيات أخرى، كان معظمهم من الجنسية الأفغانية والباكستانية، وهو ما يثير التساؤلات عن كيفية وصول ومرور هؤلاء الأشخاص في ظل عدم منح تأشيرات السفر إلى اليمن، وماذا يفعل هؤلاء الأشخاص في اليمن في هذا التوقيت بالتحديد.

وبحسب مصادر خاصة لـ أخبار الآن في صنعاء، فقد بدأ تدفق المقاتلين الأجانب إلى جماعة الحوثي منذ بدء سريان الهدنة الأممية في ابريل 2022 وذلك عبر الحدود الشرقية لليمن، وكذلك عبر سفن وقوارب الصيد التي تعمل على نقل وتهريب الأسلحة من إيران إلى جماعة الحوثي، عبر دول القرن الأفريقي، مستغلة عدم وجود رقابة على تهريب البشر عبر الشواطئ والسواحل التابعة للصومال وجيبوتي واريتريا، وهي الشواطئ التي ورد ذكرها في تحقيق سابق لأخبار الآن والتي تستخدم لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.

في منتصف مايو الفارط، ظهر شخص باكستاني في إحدى المقابلات التلفزيونية لقناة المسيرة الناطقة باسم جماعة الحوثي في صنعاء، والتي كانت تغطي المظاهرات التابعة للجماعة، وهو أول ظهور علني لشخصيات اجنبية في الإعلام التابع للجماعة، إلا أنها تعمدت عدم اظهار البقية، وذلك بحسب مواطنين حضروا المظاهرة ذاتها فقد كان هناك عشرات الأشخاص من جنسيات اجنبية.

خلال السنوات الماضية عمل النظام الإيراني على استقطاب خلايا تنظيم القاعدة، والجماعات الجهادية، وتجنيدها للعمل لصالحه في دول مختلفة، وقد اثبت تحقيق لـ أخبار الآن في تورط النظام الإيراني في تجنيد الآلاف من الأفغان للقتال لصالح ايران في كل من سوريا والعراق، حتى أنه تم تجنيد العديد من الآسيويين لتنفيذ عمليات اغتيال في عدد من دول العالم، كان آخرها في منتصف أبريل من العام الماضي، حيث قام أشخاص يحملون الجنسية الباكستانية بالتخطيط لتنفيذ عملية إرهابية تستهدف مواطنين يهود في اليونان.

والجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولي التي يتواجد فيها مقاتلين من أفغانستان وباكستان إلى جانب المليشيات التابعة لإيران، فقد عملت ايران على تجنيد أكثر من 10 آلاف مقاتل أفغاني للقتال في سوريا تحت اسم لواء فاطميون، وقد لعب اللواء دورًا مهمًا في دعم نظام الأسد في الحرب ضد المعارضة السورية، بما في ذلك معركة حلب وتدمر، وثبت بأن إيران دعمت زعماء الهزارة ذات الاغلبية الشيعية في أفغانستان لتجنيد عشرات الآلاف لصالح إيران و الذين لا يٌعرف مصيرهم حتى اللحظة.

باكستانيون يختفون بالعراق

في 24 يوليو من العام الجاري، قال وزير الشؤون الدينية الباكستاني شودري سالك حسين إن نحو 50 ألف باكستاني اختفوا في العراق أثناء الحج على مدى السنوات الماضية، مما دفع الحكومة إلى النظر في سياسة جديدة للحجاج والزائرين للأضرحة والمقدسات الخاصة بالطائفة الشيعية، يطابق هذا العدد الذي إحصائيات تشير إلى الذين جندتهم إيران للقتال في سوريا والعراق.

وفي السياق علق السياسي العراقي مشعان الجبوري على هذا التصريح، وذلك على حسابه على منصة إكس، قائلاً "إن ما أعلنه الوزير الباكستاني يتطلب من الحكومة العراقية التعليق، لما يُمكن أن يشكله هؤلاء من مخاطر على الأمن".

و
بحسب مصادر خاصة لـ أخبار الآن، فأنه خلال الفترة الأخيرة تم تهريب العشرات من الباكستانيين والأفغان تحديدًا من لواء لاشكر (Lashkar) إلى كل من اليمن والصومال والسواحل العمانية، وذلك من خلال مراكب شراعية من إيران، وذلك بهدف التشويش على عمليات رصد تهريب الأسلحة الإيرانية إلى جماعة الحوثي في اليمن، وقد قام أوكلت هذه المهمة إلى محمد بهلوان - وهو أحدى شبكة تهريب الأسلحة والدعم إلى الحوثيين، والذي ورد اسمه في لائحة الاتهام التابعة لوزارة العدل الأمريكية الصادرة يوم 8 أغسطس الجاري، بتهمة تقديم الدعم المادي للإرهابيين

يقول فيليب سميث - الباحث المتخصص في جامعة ميريلاند والذي يركز على دور إيران ومليشياتها في الشرق الأوسط، على وجود عدد من الشيعة الباكستانيين المقيمين في إيران لأغراض مختلفة، بما في ذلك الدراسات الدينية. ويشير سميث إلى أن معظم هؤلاء الأفراد قد يكونون أكثر عرضة للتجنيد بسبب ما يصفه بـ "الخلط الذي تقوم به الجمهورية الإسلامية بين الإيديولوجية والدين واستغلال الحاجة المادية للأفراد".

مقاتلين باكستانيين وأفغان في اليمن

وفي وقت سابق كانت حصلت أخبار الآن على معلومات من مصادر في المخابرات اليمنية عن دخول عدد عشرات المقاتلين من الجنسية الأفغانية والباكستانية وذلك في الربع الأخير من العام الماضي، وقد تم القبض على عدد منهم من قبل القوات الأمنية اليمنية.

وفي مقابلة خاصة سابقة لـ أخبار الآن، يقول عبدالله.م (فضل عدم ذكر اسمه الكامل) - ضابط في خفر السواحل في الحكومة اليمنية، "تم إعتقال أكثر من 15 شخص من الجنسيتين الباكستانية والافغانية خلال عام 2023، كانوا يقوموا بتهريب الأسلحة والمخدرات إلى اليمن قادمين من إيران، مع معتقلين آخرين من الجنسية الإيرانية، ويضيف لـ أخبار الآن "وصلتنا معلومات حول دخول أفراد من جنسيات آسيوية إلى اليمن خلال الشهر الجاري وإنضمامهم مع الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة، وقد ابلغنا بذلك لوزارة الداخلية ويجري حاليًا تتبعهم".

صور مُتخيلة بالذكاء الإصطناعي

صورة مُتخيلة بالذكاء الاصطناعي

صورة مُتخيلة بالذكاء الاصطناعي

وفي 27 يوليو الماضي حذر معمر الإرياني - وزير الإعلام والثقافة والسياحة، من مخاطر إقدام الحرس الثوري الايراني، منذ اشهر على نقل الآلاف من مليشياته الطائفية العابرة للحدود من الجنسيتين الباكستانية والأفغانية على دفعات إلى مناطق جماعة الحوثي، تحت مبرر "الجهاد".

تجدر الإشارة إلى أنه في الـ 30 من يوليو الماضي، أعلنت وسائل الإعلام التابعة لجماعة الحوثي وكتائب حزب الله العراقي مقتل حسين عبد الله مستور الشعبل - القيادي في جماعة الحوثي في قصف أمريكي استهدف منطقة «جرف الصخر» في العراق، وهو ما يدل على مدى العلاقة والتنسيق بين المليشيات العراقية والحوثيين، بحسب مصادر خاصة  داخل جماعة الحوثي لـ أخبار الآن، فإن الشعبل لم يكن الوحيد الذي قضى في هذه الضربة، وهناك شخصيات أخرى لم يتم الإعلان عنها حتى اللحظة..

نشاط مثير لتنظيم القاعدة في المحافظات المحررة

من المثير أن العمليات الإنتحارية لتنظيم القاعدة بدأت بالتزايد والعودة للواجهه مجددًا في المناطق المحررة باليمن وتحديدًا في المحافظات الجنوبية، وذلك منذ مطلع العام الجاري، وهو يراها الخبراء العسكريين تخادمًا بين جماعة الحوثي وخلايا تنظيم القاعدة، حيث تقوم القاعدة بإشغال القوات المسلحة اليمنية والألوية الجنوبية، وذلك في إطار حرب باردة بعد توقف المعارك المباشرة في اليمن، في محاولة من الحوثيين لإجبار المواطنين بالمناطق الواقعة تحت سيطرتهم بالخضوع لهم بدعوى توفير الأمن.

حيث نفذ التنظيم أكبر عملياته في 16 أغسطس من الشهر الجاري بسيارة مفخخة، أسفر عن مقتل 16 وإصابة 18 من الجنود من القوات الجنوبية اليمنية، حيث نشر تنظيم القاعدة فيديو يوثق الهجوم الذي استهدف اللواء الثالث دعم وإسناد في مديرية مودية بمحافظة أبين، جنوبي اليمن. 

ويُظهر الفيديو منفذ العملية "أبو غانم الأبي" وهو يحث على تنفيذ عمليات انتحارية ضد من وصفهم بـ"أعداء الله". الهجوم، الذي نفذ بسيارة مفخخة، أسفر عن مقتل 16 وإصابة 18 من الجنود. وقد أشار وزير الداخلية اليمني إلى أن بصمات مليشيا الحوثي بالتعاون مع تنظيم القاعدة واضحة في هذا الهجوم، مما يزيد من تصميم القوات الأمنية على مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله.

وهو ما يؤكده الخبير العميد الركن محمد الكميم -  الخبير العسكري والإستراتيجي، الذي يقول لـ أخبار الآن، "في الفترة الأخيرة تزايدت العمليات الاجرامية لتنظيم القاعدة الممولة من مليشيات ايران الحوثية بقصد زعزعة امن واستقرار المناطق المحررة لإثبات وجهات نظره ألّا أمان فيها، وهو ما يثبت يوماً بعد يوم ذلك التخادم والتناغم الإرهابي الواضح والاتفاق بينهما على منطقة العمليات ومسرح العمليات لتشكل القاعدة النسق الاول للحوثيين في محافظات الساحل الغربي وتعز ولحج والضالع وأبين وشبوة وتساهم في إشغال القوات المسلحة وخلخلة صفوفها وخفض معنوياتها، وكذلك للتشكيك في قدرة الدولة على تأمين المواطنين، وهي خلايا تعمل ليل ونهار لهذا الغرض، حيث علمنا مؤخرًا إستيراد مرتزقة من الخارج لتنفيذ عمليات ارهابية في المناطق المحررة".

ويضيف الكميم "على الجميع التساؤل حول عدم تنفيذ اي عملية ارهابية لتنظيم القاعدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث أن هناك مساحات كبيرة تستطيع من خلالها تنظيم القاعدة تنفيذ عمليات ضد الحوثيين الذي تدعي بأنها تحاربه، إلا أنها لا تستهدف إلا الجيش اليمني والذي يقف في مواجهة الحوثيين"، ويعتقد أن ذلك دليل كافي على التنسيق بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في جنوب البلاد.

"عمليات تنظيم القاعدة الأخيرة والتي تستهدف أفراد الجيش اليمني والألوية الجنوبية، هي عمليات ممولة من الحوثيين وإيران وتظهر التخادم بين تنظيم القاعدة ومليشيا الحوثي"

محمد الكميم
الخبير العسكري والإستراتيجي

تحالف استرتيجي بين المليشيات السنية والشيعية

في السياق هذا لا بد من ذكر أنه في 25 من مايو الماضي، التقي محمد حيدرة - المبعوث التابع لجماعة الحوثي في العاصمة الإيرانية وفد من حركة طالبان في، وذلك بتنسيق من قبل النظام الإيراني، وهو ما يدل على التخادم بين الجماعة والتنظيمات الجهادية الأخرى، والذي يصل إلى التنسيق الكامل الذي يتم بدعم إيراني وذلك بحسب المختصين في شؤون التنظيمات الجهادية.

يقول حسن أبو هنية - الخبير المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية لـ أخبار الآن، العلاقة بين إيران والجماعات السلفية السنة مرت بمراحل، كانت تحكمها البراغماتية، حيث ان طبيعة هذه العلاقة هي التوافق من الناحية الجيوسياسية والإستراتيجية، بمعنى أن لهم عدو واحد بعيدًا عن الخلافات العقدية والفقهية، حيث ان تنظيم القاعدة أو طالبان بيعتبروا ان العدو هو الولايات المتحدة الأمريكية بصورة أساسية والغرب واسرائيل اليهود، وهو ما يحدث في اليمن حاليًا، حيث التقارب بين طالبان وتنظيم القاعدة مع الحوثيين بدا واضحًا بعد عملية (طوفان الأقصى). فقد أصدر تنظيم القاعدة بيانات باستنكار الضربات الأمريكية على اليمن بعد احداث البحر الأحمر، وهذا التقارب بالذات جاء بعد تسلم سعد العولقي قيادة التنظيم باليمن، خلفًا لـ باطرفي، لوجود عدو مشترك ورأينا العملية الأخيرة في أبين والتي استهدفت القوات الجنوبية التابعة للجيش اليمني الي يواجه الحوثيين.  


ويُرجع هنية التقارب بين تنظيم القاعدة والحوثيين إلى السياسات التي ينتهجها سيف العدل المقيم في ايران الذي يرجح هذا الخيار وقد تكون علاقة سيف العدل بطالبان هي المفتاح الذي قد يربط طالبان والحركات السنية بالحوثيين، وبالتالي كما أن علاقة تنظيم القاعدة وحتى طالبان صارت اقوى بإيران فمن الممكن أن تتطور العلاقة بين هذه الحركات مع الحوثيين 

وتعتمد إيران منذ فترة طويلة على المجموعات الوكيلة والشبكات الإجرامية لتنفيذ عملياتها الخارجية، لكن ما يثير القلق الآن هو سعيها المتزايد لاستخدام العناصر السنية في حروبها. ومع وجود سيف العدل، زعيم تنظيم القاعدة الفعلي، تحت النفوذ الإيراني، يبدو أن هذا التوجه يتجاوز مجرد استغلال ظرفي ليصبح استراتيجية متكاملة: حيث قد تشهد الساحة الدولية موجة جديدة من الإرهاب تقف وراءها إيران وتلقي باللوم فيها على الجماعات السنية المتطرفة.